حميد زيد كود////

كل شيء يتغير في هذا العالم إلا رطانة اليسار ومسكوكاته وشعاراته وعباراته الخالدة إلى الأبد.

منذ عقود وهذا اليسار في فرنسا، ونحن معه، نردد كببغاوات، ونشير بالأصبع إلى الجبهة الوطنية كحزب عنصري.

يقولون عنهم في باريس الفاشستيون، ونردد نحن معهم نفس الكلمة.

ويقولون عنهم النازيون، وكما في كورس غنائي، نكرر نفس اللازمة.

والحال أن هذا الحزب الذي ينتمي إلى أقصى اليمين فعلا، كان خلال سنوات يلمع صورته، ويمكيجها، ويتخلص من ماضيه، ويتأقلم مع الجمهورية، ويغري المترددين،
ويستقطب قاعدة اليسار وقاعدة اليمين الجمهوري على حد سواء، ولم يقف عند هذا الحد، بل تنكر لمؤسسه وزعيمه، من أجل أن يحصل على ما حصل عليه اليوم.

ولا زلنا إلى اليوم، وبنفس اليقين، نتحدث عن الجبهة الوطنية، كما كنا نتحدث عنها قبل عشرين سنة.

حتى اليمين العنصري وكي يستمر على قيد الحياة يتأقلم ويتغير ويجدد خطابه إلا اليساري، ثابت كجلمود صخر، ولا شيء على لسانه إلا الفاشيست والرجعيون، إلى آخره من ذلك المعجم المعروف.

وفي وقت كانت فيه الجبهة الوطنية تتحول من حزب متهم ومنبوذ، وتبدل جلدها، وتتنكر في هندام جديد مقبول، كان اليسار يكتفي بتسقط الأخطاء، وينتظر بفارغ الصبر تصريحا عنصريا، وآخر ضد المهاجرين، ويتمنى أن يبقى لوبين الأب هو الزعيم، كي يستمر هذا اليسار في طمأنينته وراحته وكسله الفكري.
وعندما يتحدث وزير اشتراكي عن الأمن، وعندما يتحدث آخر عن اقتصاد السوق والليبرالية، ينهض يسار القرن الماضي المنوم، ليحاكمه كما كان يحاكم ستالين معارضيه.

لقد قتلت الجبهة الوطنية الأب، بينما مازال اليسار مخلصا للأب وللأجداد، فتعثر دائما على أحزابه المشتتة في أسفل الترتيب، بنتائج لا تتعدى 1 في المائة، ولا مشكل لديهم، ولا مساءلة للذات.

لم تعد الجبهة الوطنية هي الجبهة الوطنية، إنها الآن حزب فرنسي شوفيني، يلتقي في إيديولوجيته مع فكر يساري سائد في فرنسا، ومع خرجات فلاسفة من أمثال ميشيل أونفري، الذين يدافعون عن نزعة سيادية، وعن فرنسا للفرنسيين، وعن البروليتاري ابن فرنسا ضدا على الأجنبي الذي يأتي من بلاد بعيدة، ليأخذ مكانه ويستولي على فرصته.

الجبهة الوطنية اليوم تشبه الحزب الشيوعي الفرنسي في القرن الماضي، والذي كان بدوره يدافع عن العامل الفرنسي، ويحذر من خطر الهجرة على بروليتاريي فرنسا، ومن الإسلام أيضا، ولذلك يلجأ إليه ويمدحه معادون للهجرة وللأجانب، كما يفعل شخص مثل إريك زمور، حين يتذكر بحنين الرفيق الراحل جورج مارشي.

لقد سرقت الجبهة الوطنية العمال والطبقات والفلاحين من اليسار، وزايدت على اليمين الجمهوري في الأمن وفي موضوع الهجرة والأجانب، بينما لا سلاح تواجه به إلا تلك اللغة التي تنتمي إلى القرن الماضي، والتحذير من الخطر القدم.

الفاشست قادمون.

العنصريون سيفوزون.

واليسار مطمئن ويعول على ساعي البريد وعلى عودة الشيوعية.

وميشيل أونفري ضد النظام ويدعو إلى المقاطعة، ويرى أن الخطر الأكبر يتمثل في الحزب الاشتراكي وفي الإعلام المتحكم.

ولن يحدث أي تغيير، ولن يستيقظ أحد من نومه، في انتظار تلك اللحظة الحاسمة التي ستصبح فيها مارين لوبين أول رئيسة للجمهورية الفرنسية.

أما نحن في المغرب فقصة أخرى.

يسارنا يقلد اليسار الفرنسي في كل شيء، ويمجد أسوأ ما فيه.

وقد سبقناهم في التصويت على اليمين المتطرف، وحملناه إلى الحكومة، وإلى تسيير معظم المدن.
وشبعنا نحن أيضا في وصفهم بالظلاميين والمتطرفين

ثم نأتي ونحتج ونستغرب من أن يفعل الفرنسيون نفس الأمر.

إنه الربيع الفرنسي في عز الخريف

وعلينا أن نشجعه كما شجعوا هم ربيعنا وصفقوا له في صحافتهم

الشعب يريد في كل مكان

والشعوب اليوم يمينية

وعنصرية

ومنغلقة

وكارهة للمسلمين

وكارهة لليهود

وكارهة لنفسها

والجميع كان يتوقع ما حدث

إلا اليسار

مندهش كعادته

ومستغرب

من صعود الفاشست

والرجعيين والعنصريين

لكن لا أحد يجيبنا من هو الرجعي حقيقة

هل من يتأقلم مع الواقع ويتغير

أم من ينام في عسل الشعار

واليقينيات

متفرجا في ما يحدث حوله.