حميد زيد – كود//

هذا وقت مناسب جدا لأن تتظاهر في فاس بأنك مجذوب. وصاحب سر. ومتصوف. وذو نسب شريف.

فالضحايا متوفرون بكثرة. و معظمهم زائر للمدينة. وما عليك إلا أن تنتظرهم أمام أبواب الأضرحة.

و تصطادهم وهم على أهبة الدخول إلى ضريح مولاي ادريس.

أو هم يسألون عن جامع يصلون فيه.

فالجو هذه الأيام صوفي بامتياز. والقلوب مشرعة عن آخرها. و الكل في فاس.

وكل الطرق.

وكل الزوايا.

وكل يوم ينشد المنشدون “لا إله إلا الله”.

وهو ما يجعل من النصب عملا سهلا. ويجعل النفوس المحلقة في السماء مهيأة للوقوع في الفخ بسهولة.

كما هو حال سيدة ذهبت لتشتري سرغينة. وبعض الحلوى المحلية لصغارها. ثم وهي مارة أمام ضريح مولاي ادريس. أوقفها “مجذوب” تتدلى من رقبته سبحة كبيرة. وخرزات لبان. وكهرمان.

وبعد مقدمة تتحدث عن نسبه الشريف. وعن عوزه.

وبعد آيات من القرآن الكريم.

وضع المُكدي البارع المتنكر في زي ولي من أولياء الله قطعة نقدية قديمة في كف السيدة.

ثم خاطبها قائلا: أريدها”كبيرة من عندك. عطيها ليا مستورة”.

قال لها: أريدها لله سبحانه وتعالى ولرسوله الكريم.

وأثناء ذلك مر رجل من أمامهما. مادحا المجذوب. قائلا “المجذوب ما فيه كذوب”. مؤديا الدور ببراعة. محفزا السيدة. ومشجعا لها.

فمنحته المائتي درهم التي كانت في حقيبة يدها.

وكما لو أنها تعرضت لسحر.

وكما لو أن المجذوب المحتال نومها.

فاختفت القطعة النقدية القديمة التي ورثها عن أجداده الشرفاء.

وعادت السيدة مصدومة. دون سرغينة. ودون حلوى فاسية .

وهي لا تصدق كيف منحت الصوفي النصاب كل ما تملك.

تماما كما لو أن الأمر يتعلق بمقامة من مقامات الحريري.

وكما لو أنك تقرأ المقامة الساسانية.

وكما أنك تتجول في الكتب القديمة.

وكما لو أن أي زقاق من أزقة مدينة فاس العتيقة هو صفحة من حكايات المكدين التي حكى عنها الجاحظ.

وكما أن أدب الكدية مازال فنا قائما. وله شعراؤه. و متصوفته. ومجاذيبه.

و لو دققت النظر. فإنك ستجد أنواعا أخرى من المكدين. في المهرجان. و بين الجمهور.

حيث صار كثيرون ينتحلون صفة الصوفي من أجل الكسب. وربح المال.

وهي ظاهرة تستحق أن يهتم بها المهرجان في دوراته القادمة.

وأن يخصص لها ندوة تحت عنوان “فن الكدية والتصوف”.

بمشاركة باحثين. ومنشدين. ونجوم مكدين.

و جمهور مُكَدٍّ.

وبمشاركة تلك السيدة التي اكتسبت خبرة. وصارت لها دراية كبيرة بهذا الفن.

وبأم عينيها

رأت مائتي درهم تخرج من حقيبتها

وتذهب إلى المجذوب المحتال

وتتبخر

كما تتبخر سرغينة التي كانت تنوي شراءها.