عبو لكحل كود ///
يا له من مشهد عبثي ذاك الذي يقدمه الميلودي المخارق،
وهو يرمي قنبلة الإضراب العام في أحشاء الاتحاد المغربي للشغل، كمن يهوى إشعال النار في بيته ثم يصرخ “حريق!”،
قبل أن يلوم الجيران على عدم إطفائه.
بعد أكثر من ستين عامًا من الوفاء المخلص لعقيدة “النقابة المطيعة”،
قرر الرجل فجأة أن يتحول إلى ثوري متأخر، في استعراض هزلي يشبه مراهقة سياسية متأخرة،
مستعينًا بموهبته الفذة في “الابتكار الإحصائي”،
حيث تحولت الأرقام في إضرابه العام إلى كائنات مرنة تُنفخ بالهواء: فكل عامل مضرب يساوي لديه عائلته، وجيرانه،
وكلاب الحي
وربما حتى أشباح العمال القدامى الذين تقاعدوا أو انتقلوا إلى العالم الآخر!
المحجوب بن الصديق، الذي جلس على عرش الاتحاد المغربي للشغل وكأنه سلطان مغربي بنكهة نقابية، أرسى قواعد اللعبة منذ زمن:
علاقة حميمية مع السلطة،
تحالف غير مكتوب، حماية متبادلة،
وأريكة وثيرة لا يجلس عليها إلا من يتقن فنون التوازن والطاعة.
جاء المخارق ليورث الزعامة، لكنه أراد أيضًا أن يرث “كاريزما الرهبة”،
فانتفخ كديك رومي في مجلس النقابة،
لا يقبل معارضة ولا يعترف بنقاش،
لكنه للأسف لم يرث ذكاء المحجوب في فهم حدود اللعب بالنار.
قرر الرجل أن يضرب،
لا بسبب توقيت سياسي ذكي،
ولا بدافع الضغط المدروس،
ولكن بدافع من نزق مفاجئ،
ربما بعد ليلة عصيبة أو نصيحة من “جني أغبر” كما يقول المغاربة. دعا الأمانة العامة لاجتماع طارئ مساء الأحد،
تمامًا كمن يعلن حالة الطوارئ،
وفرض عليهم قرار الإضراب وكأنه مرسوم سلطاني،
دون المرور بالمجلس الوطني، وكأن الاتحاد ضيعة شخصية باسمه.
لكن الطرافة الحقيقية تكمن في التوقيت!
فالرجل لم يضرب حين كانت قوانين الإضراب تُطبخ في البرلمان، لم يحرك ساكنًا حينما كان الملف مفتوحًا للنقاش،
لكنه انتظر حتى أصبح القانون جاهزًا للمصادقة النهائية،
ثم قرر فجأة أن يرفع الراية الحمراء،
وكأنه قائد معركة يعرف سلفًا أنها خاسرة، لكنه يريد فقط أن يكتب اسمه في كتب التاريخ ولو في الهامش، برفقة رفاق الإضراب الخيالي وعبّاد الأرقام الوهمية.
إنه يستحق بلا منازع جائزة عن فئة “أفضل أداء في دور الضحية والبطل في آنٍ واحد”، بميزانية إنتاج منخفضة، لكن بأداء درامي مفرط في الانفعال!
أما المفارقة العظمى، فهي أن المخارق كان حتى وقت قريب أحد الداعمين المتحمسين للحكومة، بل إن فريقه في مجلس المستشارين وصف موقفه بأنه “مساندة من ذهب”.
كيف تحول هذا الدعم الذهبي إلى معارضة صفيحية صدئة بين ليلة وضحاها؟
هل فاته نصيبه في اقتسام الكعكة؟
أم أنه اكتشف فجأة أن الحكومة التي دعمها ليست جمعية خيرية للعاملين كما كان يتخيل؟
أم أن هناك ملفات لم تحسم بعد في كواليس السياسة والنقابة، فاختار استراتيجية “الجعجعة بلا طحين”؟
في النهاية، يبدو أن الميلودي المخارق يعاني أزمة هوية:
هل هو زعيم نقابي مهادن كما تربى داخل مدرسة الاتحاد؟
أم أنه يريد أن يتحول إلى “تشي غيفارا” متأخر،
يعلن الثورة بعدما هدأت كل المعارك؟
في الحالتين، لم يعد الأمر يثير الدهشة بقدر ما يبعث على الشفقة، فالنضال الحقيقي يحتاج إلى صدقٍ أكثر…
وأرقام أقل…
وعقلانية مفقودة!