الوالي الزاز -كود- العيون////

[email protected]

أعلن الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، عن قرار بلاده الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية لتسوية نزاع الصحراء، وهو القرار الذي ينضم لمسلسل طويل من القرارات الدولية الداعمة لمغربية الصحراء، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وغيرها.

ويعد القرار الفرنسي الجديد تاريخيا ومناسبة لتعزيز علاقات التعاون الثنائي بين الرباط وباريس، بيد أنه يجعل المتتبعين يقارنونه بالقرار الإسباني، لاسيما وأن الدولتين باتتا الأقرب للمغرب من دول الجوار.

1-  الموقف الفرنسي والإسباني السياق التاريخي للنزاع

اعتمدت باريس ومدريد مواقف متذبذبة تاريخيا فيما يخص نزاع الصحراء طيلة خمسين سنة من النزاع، وهي المواقف التي كانت نتيجة لمرور علاقات المغرب بهاذين البلدين بسحابات صيف أثرت عليها، بيد أنه تم تجاوزها في كل الحالات لتصل اليوم لمرحلة دعم سيادة المغرب على الصحراء.

بالنسبة لفرنسا فقد اعتمدت في بداية النزاع موقفا محترما إزاء مغربية الصحراء، بحيث وقفت إلى جانب المملكة المغربية خلال فترة حرب الصحراء واصطفت إلى جانبها في تلك المرحلة التي تطلبت حضورا عسكريا.

وفي المقابل كان لإسبانيا دور رئيسي تاريخيا في النزاع بحكم أنها المستعمر السابق للمنطقة، بيد أن الدور الذي لعبته آنذاك كان سلبيا تجاه المملكة المغربية، بل وغذى الانفصال بشكل كبير من خلال ضمان وصول صوته ورعايته في بعض الحالات، قبل الإعلان عن دعم مبادرة الحكم الذاتي مؤخرا، ومطالبة البوليساريو حاليا لها بالعودة عنه و”تحمل مسؤوليتها”.

2- الموقفان الفرنسي والإسباني.. أي تأثير ؟

بالنسبة للموقفين الفرنسي والإسباني وتأثيرهما على النزاع، فهناك اختلاف كبير في التأثير، وذلك بالنظر لكون الموقف الفرنسي نابع من دولة ذات عضوية دائمة بمجلس الأمن الدولي ولها تأثير فيه وصوت مسموع، فيما لا تحظى إسبانيا بتلك العضوية، بيد أنهما عضوان في مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية في مجلس الأمن الدولي.

وفي سياق مدى التأثير أيضا، تحظى فرنسا بنفوذ قوي على مستوى القارة الأفريقية، لاسيما وأن هناك دولا أفريقية تحت مظلتها لازالت تحتفظ بمواقف معادية تجاه الوحدة الترابية للمملكة المغربية، إذ من الممكن أن يكون لباريس دور في إعادة تلك الدول لجادة الصواب.

وفيما يخص إسبانيا فإنها تحتفظ بدور مرئي على مستوى أمريكا اللاتينية بالنظر لماضيها الاستعماري، بيد أن ذلك الدور يبقى محدودا نتيجة لتقهقر سياستها الخارجية وفقدانها للجزء الكبير من وزنها في تلك القارة.

3-الموقفان الفرنسي والإسباني.. رسالتان تجمعان على مبادرة الحكم الذاتي كل من موقعه.

اعتمدت باريس ومدريد موقفين داعمين للوحدة الترابية للمملكة المغربية من خلال رسالتين وجههما كل من رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيث، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.

وجاء في رسالة بيدرو سانشيث: “إنني أدرك أهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب والجهود الجادة وذات المصداقية، في إطار عمل الأمم المتحدة لإيجاد حل مقبول للطرفين، وبهذا المعنى، تعتبر إسبانيا الاقتراح المغربي للحكم الذاتي المقدم سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل هذا النزاع”.

بينما جاء في رسالة ايمانويل ماكرون أنه “يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، مؤكدا للملك محمد السادس “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”، مبرزا أنه “بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت”، مضيفا أن هذا المخطط “يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “، مؤكد أن “فرنسا تضطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية”.

ويلاحظ من خلال الرسالتين، أن إسبانيا اختارت زاوية معالجة وتعاطي مقتضب مع موقفها من النزاع من خلال التماهي مع التصور المغربي المبني على جدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي، بينما أخذ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون على عاتقه إيضاح الموقف الفرنسي بإسهاب كبير، ضمّنَه بالتأكيد أيضا على انخراط فرنسا في الدفاع عن المبادرة على مستوى الهيئات المعنية، وهو ما لم تشر له إسبانيا في رسالتها.

وفي سياق المقارنة بين الرسالتين أيضا، تضمنت الرسالة الفرنسية الإشادة والثناء على الجهود المغربية في الأقاليم الجنوبية والتنمية السوسيو اقتصادية التي تقودها، بينما لم يتطرق بيدرو سانشيث لتلك التنمية في رسالته للملك محمد السادس.

4- الموقفان الفرنسي والإسباني… الأثر على الجزائر والرجّة في نظامها

كان للموقفين الفرنسي والإسباني الوقع الكبير على الجزائر، إذ تسبب في رجّة في نظامها الذي لم يجد بُدا من اعتماد قاموس الوعيد والتحامل على فرنسا وإسبانيا، في استمرار لدبلوماسية الغوغاء.

وبالنسبة للتعاطي الجزائري مع الموقف الإسباني، فقد أقدمت الجزائر على استدعاء سفيرها ومحاولة محاصرة إسبانيا طاقيا وتطويق التعاون التجاري بينهما، قبل أن تعود عن ذلك بالنظر لعدم جدوائية تلك القرارات الغوغائية وإحاطة إسبانيا والعلاقات الاقتصادية بمنظومة الاتحاد الأوروبي الذي يقف سدا منيعا أمام التهور الجزائري.

وفيما يتعلق بالتعاطي مع الموقف الفرنسي، فقد بدأت الجزائر سلسلة قراراتها بتهديد فرنسا في بيانها الصادر بتاريخ 25 يوليوز، قبل أن تُعلن اليوم عن سحب سفيرها رسميا والاكتفاء بوجود قائم بالأعمال في باريس، فيما يرجح أن تطرح الجزائر مجموعة من العراقيل في وجه الحضور الفرنسي على مستوى منطقة الساحل الافريقي كرد على القرار.

5- الموقفان الفرنسي والإسباني.. الوضع الداخلي

يختلف الموقفان الفرنسي والإسباني وعلاقتهما بالوضع الداخلي عن بعضهما البعض، إذ توحي المقارنة بينهما بصعوبة انعكاسات الموقف الإسباني على وضعها الداخلي، إذ عانى رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيث من مشاكل كثيرة خلال مرحلة تشكيل حكومته بسبب مواقف أحزاب المعارضة وحتى الائتلاف الذي شكله المعادي للمغرب ودعمهم لأطروحة الانفصال، كما لا يزال يعاني في مواجهة تلك المعارضة على الرغم من نجاحه في تدبير المرحلة وتجاوز الضغط السياسي وتأمين موقف مدريد من دعم مبادرة الحكم الذاتي.

وفيما يخص فرنسا، فقد جاء موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في سياق سياسي أكثر استقرارا من إسبانيا على الرغم من حسم اليسار من نتائج انتخابات يوليوز، والذي لا يشكل فوزه أي ضغط على الموقف الرسمي الفرنسي من نزاع الصحراء، بالنظر للشراكة المغربية الفرنسية وميل الفرنسيين بشكل أكبر للمغرب وثقتهم سياسيا واقتصاديا فيه.