حميد زيد كود //-/-//

لم يكن المغرب ثرثارا مثلما هو ثرثار اليوم.

المغاربة دون استثناء اكتشفوا حلاوة الثرثرة، ومن لم يثرثر فيهم اليوم سيثرثر غدا.

لا يختلف في ذلك المواطنون عن قادة الأحزاب عن الوزراء، وجميعنا نتنافس.

حتى الوزيرة سمية بنخلدون التي قررت الصوم عن الكلام، لم تصمد إلا مدة قصيرة، واقعة في إغراء الثرثرة، واتصلت بالصحافة لتتكلم.

حتى وهي صائمة أفطرت.

وحتى وهي غاضبة من اقتحام الصحافة لحياتها الخاصة فإنها لا تمل من الثرثرة وتذكيرنا بنفس الموضوع.

لا أحد أصبح فينا قادرا على الصمت، والكل يريد أن يكون صوتا وصورة.

الكل يريد أن يصبح نجما.

ولو بفضيحة، ولو بنكتة سمجة، ولو بالشتائم.

ومن لم يسجل فيديو اليوم سيسجله غدا، وسيثرثر، وليس المهم ماذا ستقول، لكن المهم هو أن تظهر.

جميعنا نريد أن نظهر في الصورة، وجميعنا نخبر الناس بما فعلناه، وما أكلناه، ومتى استيقظنا، ومتى سننام.

حتى الذي يقرأ كتابا وهو صامت، لا يصمد، ويخبرنا أنه يقرأ كتابا وهو يثرثر، ويتخلى عن كتابه، من أجل أن يتكلم.

حتى الذي يشاهد فيلما، يوقفه ليخبرنا بذلك.

لم يعد أحد يحب أن يحتفظ بسر، ولم يعد أحد يبحث عن قيلولة، أو راحة، أو إغفاءة، بل هناك سباق محموم على من يتكلم أكثر.

وحتى الذي يمارس الجنس، ينتهي منه، ويخبرنا بنشوته وإنجازه.

لقد تحدوا بنكيران أن يتكلم وبزهم جميعا وتكلم وقال ما يقوله دائما.

ومن منا يستطيع أن يقنع شباط بالكف عن الكلام، ومن يستطيع مقاومة الاستماع إليه، فأنا أثرثر إذن أنا موجود.

وكم هي الثرثرة مؤثرة ومغرية ومسلية ومقنعة.

ومن يصمت لا مستقبل له، وسيجد نفسه معزولا.

ومن لا صور له لا وجود له.

وما كنا نظنه ثورة في التواصل صار ثورة ثرثرة.

فيديو لكل مواطن، وعندنا قدرة على الاستماع للجميع، ونتنافس في ما بيننا على من يكون أكثر خبلا وجنونا.

وتمعنوا معي في نجوم الأنترنت المغاربة، والأكثر مشاهدة، لتتأكدوا كم هي الثرثرة مجدية ومثيرة وجذابة وعلامة على الزمن المغربي.

قل خبلا وها أنت ناجح… ونحن مغاربة ونفتخر.

حتى الراديو أصبح فيديو، ولم يعد يكفي أن ننصت إلى الأصوات، بل علينا أن نراها أيضا.

كلنا أبطال، وكلنا نجوم، ولدينا ما نقوله.

ولم يعد أحد يقبل أن يكون عاديا وغير معروف، لا، لا، لا أحد يستغني عن حقه في الثرثرة.

ومنذ أن ظهر هذا البلد لم يثرثر مواطنوه كما يثرثرون اليوم.

ولا أحد يتنازل عن نجوميته.

لا أحد يسمح بأن يكون غيره أكثر شهرة منه وأكثر ثرثرة.

وأين كان الثرثارون نبحث عنهم

وفي أي راديو، وفي أي جريدة، وفي أي برنامج نستمع إليهم.

وإن لم نل حصتنا من الثرثرة نمرض ونتفرفز.

ولا أحد يقبل بأن يختلي إلى نفسه.

ولا أحد يعلن هدنة.

وجميعا أصابتنا العدوى

فماذا لو اتفقنا في ما بيننا نحن المغاربة، وقررنا في وقت واحد أن نصمت، ويصمت شباط ويصمت بنكيران وتصمت

الحكومة وتصمت المعارضة، ونصمت نحن في الصحافة ويصمت الفيسبوك.

ماذا لو قررنا أن نكف عن الثرثرة.

لنجرب أن نبتعد عن بعضنا البعض لمدة

ونصمت

ونختلي بأنفسنا

وأنا متأكد أننا سنشعر بالراحة وسيزول توترنا
وسيعود إلينا التفاؤل

وسيعود إلينا الأمل

وستعود إلينا عافيتنا ورشدنا

وعقلنا

الذي فقدناه

من كثرة الإفراط في الكلام

والظهور.