سعيد الحسوني ـ كود//

تغيرت الأمور كثيرا…  بفضل بعض الوعي الذي بدأ ينتشر في المجتمع، وبسبب الغلاء الفاحش للأضاحي وتقهقر القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة أمام المطالب المتزايدة للحياة الحديثة، بدأت أمور كثيرة تتغير في المجتمع المغربي وفي العقلية الجماعية المغربية.

عيد الأضحى من المنظور الديني ليس سوى سنة مؤكدة، أي مثل إطلاق اللحية عند الرجال، غير أنه من المنظور الاجتماعي كان يمثل فرضا وواجبا لا يمكن تركه إلا لشديدي الفقر، فتجد رب الأسرة المعسر يقترض ويتكلف عناء شاقا حتى يوفر أضحية لأسرته درءا لإحساس “الحكّرة” على أولاده.

في العقدين الأخيرين، في المغرب، ظهر سماسرة من نوع خاص يسمسرون في كل شيء، خاصة السلع التي يكثر عليها الطلب من المغاربة، يستغلون ضعف آليات المراقبة الحكومية ويحتكرون الأسواق فارضين قواعدهم وأسعارهم، ولم تسلم منهم مناسبة عيد الأضحى حيث رفعوا الأسعار إلى أثمنة خيالية رغم تطمينات الحكومة ورغم دخول نصف مليون حولي “روبيو” إلى المغرب.

بل حتى أكباش إسبانيا “الشهبة” و”البريئة” سمسروا فيها، وصارت تباع بأضعاف سعرها الأصلي مباشرة بعد نزولها من الباخرة ولمس حوافرها الأرض المغربية، هذا دون الحديث عن مبلغ الدعم الممنوح للمستوردين من أموال الشعب.

ومن حسن حظ هؤلاء السماسرة الوحوش، أنهم استفادوا من “دعم” حكومي غير مباشر على إثر قرار الحكومة صرف رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين قبل العيد بأيام حتى تتوفر في السوق السيولة المالية الكافية التي ستتجه رأسا إلى الفلاحين الصغار وخاصة الكبار.

لحسن الحظ، في بلادنا، بدأت فئة “واعية” تتشكل في مجتمعنا، من النخبة والمثقفين الذين فطنوا لكثير من الهراءات التي تحدث هنا وهناك، وهي تحاول مقاومة بعضاً من الإرث الثقافي  الذي يرهقها ماديا ومعنويا.

وفي سياق العيد، فإن عددا كبيرا من المغاربة قرروا عدم شراء الأضحية، منهم من وجد فيها “تمارة” بدون معنى، خاصة أن الدين لا يفرضها، ومنهم من اعتبر التضحية بمبلغ مالي مهم من ميزانية الأسرة من أجل أضحية العيد قرارا متهورا سيضع الأسرة في فاقة ستستمر لشهرين أو ثلاثة، فيما آخرون رفضوا مسايرة الاستغلال المفرط لهذه الشعيرة من طرف وحوش السمسرة.

أما الميسورون فالكثير منهم يقضون أيام العيد في منتجعات سياحية داخل المغرب أو خارجه هربا من مشاهد “دموية” قد تؤثر على راحتهم وتوازنهم النفسي، ولا يعودون إلا بعد زوال روائح “الهيدورة” من الأزقة والشوارع.

هذا العام بالذات، لوحظ نفور قياسي للعديد من الأسر من الاحتفال بعيد الأضحى بسبب الغلاء الفاحش للأضاحي، فصار المغاربة لا يسألون بعضهم السؤال الكلاسيكي “واش شريتي العيد ولا مازال؟” بل صار يُسمع سؤال جديد “واش معيد ولا والو؟”.

إنه وعي جماعي يتطور، وعي بما يجري حولنا، وعي بما يحمله المجتمع من ترسبات ثقيلة علينا، ويزداد ثقلها يوما بعد يوم، وعي بمغرب يمكننا أن نجعله أنظف وأجمل وأنبل، وعي بضرورة الفعل الآن، ومن الآن، حتى نصير فاعلين مؤثرين مغيرين، ولا نظل في جلباب المفعول بهم المحكومين بقيود بائدة يستغلها عديمو الضمير لنهب أموالنا والتحكم فينا.