حميد زيد – كود//
القاع وقد صعد إلى فوق. هذا هو.
قاع القاع الذي كنا نغطيه كي لا يظهر. هو. هو. وقد خرج من اليوتوب.
خرج لتراه الدولة.
خرج هذا القاع إلى المجتمع. وإلى إخوانه المغاربة.
و هو الذي يشرشر الآن. ويغني.
شرررررر.
شرررررر.
الذين يوجدون خلف الجدار الإسمنتي. التحتانيون. هم الذين خرجوا.
و معهم غناؤهم. وألحانهم. وكلماتهم. وحياتهم. ونظرتهم. وثقافتهم.
ومعهم فقر من نوع جديد.
فقر مشرشر.
فقر مذوب في المشروبات. وفي الشاي. وفي الليمونادة.
فقر الأواخر. الذي يعبر عن شباب. وأهل مدن التحت. المدن التي توجد خلف المدن.
أهل مدن المغرب الكبيرة الذين يعيشون على هامشها. وفيها. وخلفها. وتحتها. وفي فاس. وفي سلا. وفي الدار البيضاء.
يقولون للقانون شررررر.
و للمرأة. وللفتاة. وللحياة. وللسلطة. وللدولة. يقولون لها شرررر.
شررر زيدي كبي أتاي.
وحين يتم الحكم عليهم. يخرج شقيق واحد منهم. ويؤلف أغنية على عجل. ويرسل الرسائل. ويرمز. ويبعث الكلاشات.
ويقول لنا: شرررر كبي هواي. إلى أن تنتهي كل المشروبات. وتكون نهاية الفن. ونهاية الغناء. ونهاية كل شيء.
هكذا. هكذا. بينما نحن نختلف بيننا. ونناقش من مع الحرية. ومن مع متابعتهم.
بينما نحن ننظر إليهم من فوق.
كأن المسألة هنا فنية.
و ندينهم كي لا يفكروا مرة الثانية في الصعود إلى أعلى حيث المغرب الآخر.
مغرب الحقوق.
مغرب القيم. والأخلاق. و حماية القاصرين.
مغرب الحداثة.
والحال أن ليس هذا هو المشكل.
المشكل هو أن هناك مغربا آخر. تحت.مغطى. مسورا.مصبوغة واجهته. كي لا نراه. وقد أصبح بإمكانه الآن. بفضل الأنترنت. والهواتف الذكية. أن يطل علينا.
وأن يزعج طمأنينتنا. وأن يصدمنا.
مغربا مشرشرا في كل شيء. وفي معيشه اليومي. وفي الشارع. وفي البيت. وفي الليل. وفي النهار.
و له قوانينه الخاصة. ونظرته الخاصة إلى الأشياء. وإلى المرأة.
وإلى السلطة. وإلى النجاح.
التي لم تجد من حل. أمام هول الصدمة. إلا متابعتهم. وإدانتهم. كي لا يتجرأ التحتانيون. ويخرجوا دفعة واحدة. ويشرشروا كل المغرب بأغانيهم وكلماتهم.
وكي لا يتكرر ذلك.
ولكي يكون هناك ردع.
فلم يكن بمقدور التحتانيين أن يخرجوا في الماضي.
و لم يكن بإمكانهم أن يطلعوا إلى فوق.
حيث كانت التلفزة رسمية. وكانت الجريدة تحتاج إلى أن تكون متعلما. وكان السلطة متحكمة في كل شيء.
أما الآن. ما أسهل الآن أن تشرشر في أي مكان. وتنتشر.
وتغني.
وتبدي رأيك. وتحلل. وتربح المال من الشرشرة.
وقد كان المشرشرون موجودين في المغرب منذ مدة. لكن لم يكن متاحا لهم الصعود.
وكانت الشرشرة مطوقة. وفي نطاق ضيق.
وكان من السهل تغطيتهم. والحرص على أن لا يظهروا لأحد.
ولا للعابرين. ولا للأجانب. ولا لمن يسافرون في القطار.
و قد حان الوقت ليخرجوا. ويغنوا. ويشرشروا.
وجاء زمن كان متوقعا أن يخرجوا فيه.
ويجب أن تكون لا مسؤولا كي تعتبر الشرشرة حرية. وفنا. وغناء. وحقا. وتدافع عنها.
وكي تستهين “بخطابها”.
والأخطر
هو أن السلطة في المغرب لم تعد تجد فنا تمنعه.
ولم تعد تجد خطابا ضدها تقمع أصحابه. وتسجنهم.
ولم تعد تتوفر على نخبة تعارضها.
ولا على ثقافة ضد السلطة.
ولا على سياسة ضد السلطة.
ومن هذه الراحة التي تتمتع بها السلطة في المغرب.
ومن طمأنينتها.
خرج لها التحتانيون
و أهل المغرب المغطى
و لم تعد تجد من يخرق القانون ومن يزعجها إلا قاع القاع.
ولم تعد تجد سوى القاع والتحت
وفي كل مرة يشرشر واحد منهم
شررر كبي أتاي
شرررر كبي هواي.
إلى آخر المشروبات وما يتم تذويبه فيها
يتابع ويدان
ويضغط عليه كي يعود إلى تحت.
وكي لا يصعد كل من في القاع إلى السطح.
و يتشرشر المغرب بالكامل.