حميد زيد

الكل صار فجأة مدافعا شرسا عن الماء.

الكل صار يحذر من ندرته.

الكل صار متخصصا في موضوعه.

الكل صار يسبح فيه.

الكل صار يدعو إلى الحفاظ عليه.

الكل صار يدق ناقوس الخطر.

وفجأة. خرج النجارون. ورجال الأعمال. والحدادون. ورجال السياسة. ومهنيو النار. ولاعبو الغولف. وأصحاب المسابح. والبستانيون. والمضخاتيون. والجمعيات. والناشرون. خرجوا جميعا لتثمين ما جاء في الخطاب الملكي.

وللتحذير من الخطر القادم.

وبمجرد أن أنهى الملك خطابه الموجه إلى أعضاء البرلمان، خرجت جمعية ببلاغ تؤكد فيه التزامها”بجميع المواضيع والإشكاليات المتعلقة بالموارد المائية…”. و”مواكبتها لورش الماء…”.

لكن كيف.

كيف يمكن لجمعية تنشغل بشؤون مهنة الصحافة أن تواكب ورش الماء.

كيف تحافظ عليه.

كيف تحليه. وتخزنه.

كيف تجرأ أصحابها واقترفوا مثل هذا البلاغ.

كيف ينبغ الجميع في ندرة الماء.

كيف يتعبأ الجميع.

كيف نتفه كل شيء.

وكيف لشخص أن يثمن الخطاب الملكي ويعرب عن استعداده هو الآخر للالتزام بما جاء في الخطاب.

كيف يمكن أن نتحول جميعا إلى مائيين.

كيف تتبلل الجمعيات المغربية إلى هذا الحد.

كيف ينشف رجل السياسة.

وكيف يجف العقل المغربي في مثل هذه المناسبات.

كيف يصيبنا الجفاف في المغرب إلى هذه الدرجة.

كيف يصيبنا القحط.

كيف نواكب الخطاب الملكي بكل هذه السرعة.

وبهذه الطريقة التي لم تعد تليق بنا.

كيف يلعب التملق بموضوع جاد وخطير دون أن يشعر بأي حرج.

كأن لا أحد كان على علم بمشكلة ندرة المياه. وانتظرنا حتى صرح بذلك الملك.

كيف يحلي الناشر الماء.

كيف يواكبه. من يقول لنا كيف.

ولا أظنها طريقة ذكية لتنفيذ التعليمات الملكية. ولا للتقرب إلى الملك.

ولا أظنها تليق بنا كمغاربة.

ولا كدولة.

لا أظن هذا الفيض المائي يليق بمواطنين في هذا العصر. ويليق بالمغرب الذي نتمناه.

بل إنه يسيء إلينا. وإلى صورتنا. وإلى جمعياتنا المهنية. وإلى رجالات سياستنا.

بل إننا بذلك نبدو غير جادين. ونقلل من أهمية ومن خطر الموضوع.

وكما لو أن هدفنا الأول هو التملق. وليس الماء.

وكأن الماء تعلة وحسب.

وكما لو أن ما يشغل بالنا بالدرجة الأولى هو إظهار التزامنا بالخطاب الملكي. وليس ما جاء في الخطاب.

وهو التقرب. وهو الحظوة. وهو الاستفادة. وليس حل المشكل.

ولا يهمنا من أجل بلوغ هذا الغرض. أن نظهر بمظهر مضحك.  حين نقوم بتدبيج بلاغات عجيبة نلتزم فيها بمواكبة ورش الماء.

ولا تعنيننا صورتنا.

ولا يعنينا احترام ذكاء المغاربة ملكا وشعبا.

ولا يعنينا الحس السليم.

ولا نفكر في احتمال انكشاف أمرنا أمام الملك.

لأن هذه البلاغات التي نكتبها على عجل مفضوحة.

وتبعث على الهزء.

ولن يحترم أصحابها أحد.

ولن يصدقها أحد.

ولأن هذه المواقف التي تخرج تباعا مواكبة لموضوع الماء ومتجندة ومستعدة للحفاظ عليه ليست جادة.

و فيها كثير من العبث.  ويهمها شيء آخر.

وكي نتأكد. فلنحاول أن نتأمل أنفسنا.

لنحاول أن ننظر إلى ما نقوم به. وما نكتبه.

لنحاول أن نقرأ  ما كتبناه عن موضوع الماء بعد الخطاب الملكي.

وكيف نحن جميعا. بمختلف مهننا. وتخصصاتنا. مستعدون لمواكبة الورش.

و غالبا أننا لن نحترم أنفسنا حين سنفعل ذلك.

وغالبا أننا سنخجل من أنفسنا.

ومن تصرفاتنا.

ومن الملك.