يوسف أوزال -كود//
بعد ما بدا أنه النبأ العظيم، جلس الكوفيون على أرائك الحيرة يتساءلون. هل نُصفّق لإيران التي أطلقت ألعابا نارية جيوسياسية على قطر؟ أم نذرف دمعة على شبه الجزيرة القطرية التي غسلت أدمغتنا بماء قناة الجزيرة المقدّس حتى أصبحنا نرى في كل خبر عاجل فتحًا مبينًا؟ أم نتأسف على استسلام إيران وقبولها بوقف إطلاق النار بعد أن تم تدمير أهم بناها التحتية العسكرية والنووية، في أسرع استسلام عرفته حروب الشرق الأوسط.
الكوفيون، وهم مزيج عجيب من فلول اليسار وجحافل الإسلام السياسي، يعيشون في تيه متعدد الأبعاد، كأنهم في حلقة من مسلسل خيال علمي رديء الإنتاج، يشاهدون بأعينهم (التي لا ترى إلا ما تريد) الفرق بين دولة مسلحة بالعلم والدعم الأمريكي، وبين ظاهرة صوتية إيرانية لا تتقن إلا فنون الصراخ والتهديد والألعاب النارية والحرب عن بعد باستعمال العرب.
الإيرانيون طيلة عقود استعملوا العرب كحطب وكذراع في مواجهتهم مع إسرائيل والغرب وساهموا في تدمير سوريا والعراق واليمن واستغلال الأقليات الشيعية في الخليج لخدمة أهدافهم الإيديولوجية في نشر الثورة الشيعية.
والآن، بعد أن كنست إسرائيل المسرح من وكلاء إيران في المنطقة، أصبحت طهران في مرمى النيران، لكنها لم تنسَ أن تضع لمسة مسرحية في رسائلها لأمريكا وإيران قائلة: “لا تقلقوا، إنها مجرد ألعاب نارية!”، في محاولة يائسة لحفظ ماء الوجه داخليا وخارجيا أمام جمهور يساري قومي عربي وإسلامي سياسي لازال يصفق لولاية الفقيه.
لكن مع ذلك الفرس أذكياء، لقد “باعو العجل” للعرب في سوريا ولبنان وغزة في حروب انتحارية. لكن الفرس بقيادتهم الدينية الحالية ليسوا مستعدين للانتحار. الألعاب النارية مجرد بوابة للتفاوض وإنقاذ النظام من سقوط محتم إن استمرت الحرب واتسعت. إن إيران استسلمت بقبولها وقف إطلاق النار ونترك الكوفيين في صالوناتهم المريحة يتألمون لحقن الإيرانيين لدمائهم وإنقاذ ما تبقى من بناهم التحتية العسكرية.
الكوفيون الذين يحللون العلاقات الدولية من منظور أمم وهمية “كالأمة العربية” لايستوعبون أهمية هذه الحرب الوجودية. إن كانت هناك دولة تسعى لتطوير تيكنولوجيا وسلاح نووي وفي نفس الوقت تهدد بنسف دولة مجاورة، فإن الرد الطبيعي هو الضربة الاستباقية وهو ما قامت به إسرائيل مسنودة بأمريكا، التي أظهرت أنها تمتلك أقوى قوة ردعية جوية في العالم.
من وجهة نظرنا كمغاربة لو كانت لنا مصلحة في التحالف مع إيران لما سررنا بانهزامها. لكن البلاد اختارت مصلحتها الاستراتيجية واختارت التحالف والتعاون العسكري مع أقوى الفاعلين في هذا المجال في العالم، علاوة على تحالفها التاريخي والبراغماتي مع دول الخليج خاصة السعودية والإمارات والبحرين، وكلها دول تعرضت باستمرار لتحرشات إيرانية.
وباعتبار أن إيران حليف تاريخي لجزائر الجنرالات وسبق لها أن ناوشت في المحافل الأممية ضد الوحدة الترابية للمملكة وبالنظر إلى أن المغرب قطع معها العلاقات في 2018، فإن أي مغربي مؤمن بمصالح بلاده يجب أن يتمنى انهزام إيران وسقوط نظامها المثير للفتن في المنطقة.
أما الكوفي المغربي التائه فلا يزال يعتقد أن عاشوراء موعد النصر، وأن الجزيرة مصدر الحقيقة، وأن الصراخ يوم الأحد استراتيجية سياسية. لقد لجأ إلى الغيبيات، وراح يستمتع بانتصارات وهمية على شاشة الجزيرة، بينما تنهار أمامه أهم وكلاء إيران: من حزب الله إلى ميليشيات العراق، مرورًا بنظام بشار القات
ومن حسنات هذه الحرب، أنها أيقظت الوعي الإسلامي لدى زعماء محسوبين على اليسار، ينتظرون النصر يوم عاشوراء، وكأنهم في مسرحية عبثية من تأليف كتاب سيناريوهات المؤامرة.
مايقع في الشرق الأوسط يبين أن المغرب أحسن في اختيار حلفاءه والعالم الحالي لن يخلو من محاولات تحقيق المصلحة الوطنية باستعمال القوة وآنذاك لن تنفع الأفكار التي تأتي بغتة على الكنبة وإنما ما ينفع هو القدرات والتحالفات والعلاقات التي بنتها الدولة.