حميد زيد – كود//

ما الذي يدفع رجلا يتنفس سياسة مثل عبد الهادي خيرات إلى أن ينسحب من المشهد. ويعود إلى بلدته.

ويشتغل في الفلاحة. وتربية الماشية.

من الذي جعله يترك الجمل بما حمل. ويبتعد عن الحزب. بعد أن كان من أبرز قادة الاتحاد الاشتراكي. وأكثرهم حضورا. وشغفا.

من تخلص منه.

من اضطره إلى ترك كل شيء والتفرغ للأغنام. وللحقول. وللزراعة.

واللجوء إلى عالم خال من الدسائس.

من هذا الطاغية.

من هذا الوحش.

وما هذا الوضع السياسي الذي يبعد شخصا بقيمة خيرات.

مفضلا عليه الفراغ.

وإذا كان من شخص يستحق لقب رجل سياسة فهو عبد الهادي الخيرات.

لأنه عاشها بكل جوارحه.

وارتبط بها.

وسكنته. وسكنها. وتعرض وهو يمارسها للسجن.

وتشعر وأنت تستمع إليه أنه خلق ليلعب هذا الدور.

وأن يكون اتحاديا.

وأن يكون رجل سياسة. ولا شيء آخر.

ومهما حاول خيرات الابتعاد فلن يقدر.

وحين استضافته الزميلة نعيمة المباركي في موقع هسبريس ليقدم شهادته للتاريخ. فقد تذكرنا عبد الهادي خيرات السياسي. قبل أن يتحول إلى فلاح.

واستعدنا كل تاريخه.

و كل مواقفه.

وكل حضوره الإعلامي. وكل وهجه. وكل اندفاعه. وكل صراحته التي كان يتميز بها. وكل جرأته. وكل صداميته.

وكل الحياة السياسية المغربية.

وكل الفاعلين فيها.

وكل الجدية التي كانت تمارس بها السياسة.

وكل الصدق.

ولو أن عبد الهادي خيرات صار  الآن أكثر تحفظا.

وأكثر حرصا على عدم تقليب المواجع.

وأكثر حذرا.

وخلف ذلك كله تحس أن هناك غصة في حلق عبد الهادي خيرات.

وأنه يحن إلى نفسه. وإلى صداميته. وإلى عبد الهادي خيرات الذي كانه.

وأنه يريد أن يعود.

وأن يواجه خصومه. و ينقض عليهم. ويهاجمهم. ويفضحهم. ويفحمهم. كما كان يفعل في تلك الأيام الخوالي.

لكننا في زمن آخر.

والفترة التي انتهت لا تعود.

وبالطريقة التي يحكي بها عبد الهادي خيرات لنعيمة المباركي.

وبلكنته.

وبتجاربه الكثيرة.

وبالأحداث التي عاشها. والشخصيات التي التقاها.

وبنظرته للأشياء. وللحزب. وللمغرب.

تتمنى ألا يتوقف خيرات عن الحكي. وعن تقديم شهادته.

كما أنه يستفزك.

ويجعلك تضع المقارنات بين السياسة اليوم وأمس.

ويجعلك تفكر في ما الذي سيحكيه الذين يمارسونها اليوم في المستقبل.

وأي شهادة سيقدمون.

وهل سيخبرون من سوف يستمع إليهم أن لا دور كانوا يلعبونه.

هل سيكونون صرحاء ويعترفون بأن لا شيء لديهم ليحكونه.

وأن لا أحداث عاشوها

ولا صراعات خاضوها.

ولا مواقف تبنوها أو دافعوا عنها.

هل سيأتي واحد منهم في السنين القادمة ويعلنها مدوية. ويصرح بأن الدولة كانت تلعب كل الأدوار.

وكانت تتحكم في كل شيء.

وكانت تعوض الأحزاب. وتلعب دورها.

وأنه ليس له ما يقوله.

لا هو ولا غيره من السياسيين.

وأنه كان بعيدا.

كان شبحا.

كان صورة فقط.

وأنه عاش في وقت  كان فيه رجل السياسة الحقيقي ينسحب.

ويهرب من السياسة إلى الأرض. والحقول. والطبيعة. والفلاحة. والدواجن. والمواشي.

و بالمقابل كان أشخاص لا علاقة لهم بالسياسة.

ولا رأي لهم

ولا موقف.

هم الذين يمارسونها في المغرب.

وهم الذين يحلون محله.

فاحك

احك يا خيرات

كي يقارن المغاربة بين مرحلتين من تاريخ المغرب.

وكيف كان رجل السياسة إلى غاية أمس القريب.

وكيف صار اليوم.

احك

كي تستفزنا

وكي نفتح أعيننا ونرى كل هذا الخواء السياسي

وكل هذه الوجوه

وكل هذه الأحزاب

التي لن يجد قادتها ما يحكونه

لأن لا شيء يحدث الآن

والدولة هي التي تحتكر كل الأحداث

و كل المشهد

وكل الحياة السياسية.