حميد زيد – كود//

من رأى منكم علمانيا مغربيا.

لقد اختفوا جميعا. ولم يعد يظهر لهم أثر.

ومنذ مدة طويلة لم يعد يسمع لهم صوت.

إنهم موجودون. وقد يكون عدد العلمانيين قليلا. لكنهم أقلية هائلة.

بينما لم تعد لهم قدرة على الظهور.

ولم تعد لهم أي رغبة. ولا أي حماس.

ومنهم من التحق بالدولة. مؤمنا بما تحدث عنه وزير الأوقاف. راضيا بالقليل. وبالعلمانية الكامنة. معولا على السلطة. وعلى الخصوصية المغربية.

ومنهم من انسحب.

ولا حزب الآن للعلماني المغربي.

ولا جريدة. ولا مجلة. ولا جمعية. ولا تأثير. ولا خطاب للعلماني.

ولا رغبة في أن يكون مستقلا.

وأن يكون صوته له.

وبعد أن كان العلماني حاضرا بقوة.

ومؤثرا في السلطة وفي المجتمع.

وبعد أن كان صوته مسموعا وواضحا.

وبعد أن كان ليبراليا. ويساريا. ومنفتحا على الغرب.

اقتنع العلماني في السنوات الأخيرة بأنه من الأفضل له أن يتوقف.

وأن لا يخرج إلى العلن.

وأن ينادي بالعلمانية في دواخله.

وأن يخزنها في قلبه. وأن يطبقها بينه وبين نفسه. وفي محيطه الخاص. وأن يكون “واقعيا”.

وأن يختبىء خلف الدولة.

الضامنة للعلمانية. و لنقيضها.

ولذلك. وبمجرد أن ظهرت رسالة وزير الأوقاف.

خرج كل العلمانيين.

و تعلقوا بأذيال أحمد التوفيق.

و بلغته.

مؤمنين بأن الدولة هي التي تمنح العلمانية.

وهي التي تمنح الديمقراطية.

وهي التي تمنح الحرية.

وما على العلماني. والديمقراطي المغربي. إلا أن يؤمن بها. ويسلم لها القياد . ويخضع. وينقاد لها.

فالدولة هي التي تحمي العلماني من الإسلامي.

وهي التي تحقق له الفصل بين الدين والدولة.

وهي التي تضمن له حريته الفردية.

واثقا ثقة عمياء في الدولة.

مفوضا أمره لها.

صامتا. ومستسلما لها. وغير محتج. حين تتراجع الدولة. وتطل بوجهها الثاني.

وتارة تكون حداثية. وطورا محافظة. ومرة منغلقة على خصوصيتها. وأخرى منفتحة على العالم.

وينسى العلماني أن للدولة وجوها كثيرة.

ويقبل تقلباتها. وطبيعتها المتأقلمة مع كل شيء. ومع كل واقع جديد.

ولذلك عندما ظهرت رسالة وزير الأوقاف

تشبث العلماني بأحمد التوفيق

وتعلق به

وتبنى كل ما كتبه

منبهرا به

مادحا له

وكل ذلك نكاية في عبد الإله بنكيران.

معولا على المخزن

وعلى السلطة

كي ترد على الإسلاميين . وعلى السلفيين.

وبعد ذلك

وبعد أن ينتهي هذا النقاش.

سيختفي العلماني المغربي من جديد

متفرجا من بعيد في ما يقع

وفي هذا الصراع بين نزعتين محافظتين

تختلفان في الظاهر

لكنهما تتحالفان في العمق في ما بينهما.

و ترغمان العلماني المغربي على الاختباء

وعلى الوقوف أمام باب السلطة

منتظرا

عطفها عليه

و تضطرانه إلى الانبهار برسالة وزير الأوقاف.

ومن غياب العلماني الطويل

ومن انقراض النخبة اليسارية والليبرالية التي كانت فاعلة ومؤثرة ومنظمة

صار العلماني يخوض حروبه

بأسلحة السلطة المحافظة

وبلغتها التقليدية

مستعينا بها ومعولا عليها.

فيجعله ذلك يبدو سعيدا. ومنتشيا.

ويجعله يصفق.

صانعا من نفسه علمانيا جبريا

لا يؤمن بأي حركة

ولا بأي إرادة حرة

ولا بأي حاجة إلى الظهور والتأثير

منسحبا. ومسلما أمره لعلمانية عرفانية. وباطنية.

متفرجا في ما يقع.

و منبهرا برسالة تبدأ الكلمة الأولى فيها بشكوى إلى الله.