حسن حمورو///
ثمة استراتيجية معمول بها في الصراع السياسي بين الأطراف المتفاعلة فيه، تستهدف ضرب مركز القوة، لإضعاف المستهدَف وإرباكه، وإفقاده التوازن في حركيته وعلاقاته، وشل قدرته على التفكير بما يلزم لمواصلة الصراع.
هذه الاستراتيجية، قد تستهدف الأفراد والتنظيمات والأنظمة السياسية أيضا، ويتطلب الكشف عن مركز القوة، جهدا في الرصد والتتبع، وربما اللجوء إلى الاختراق بوسائله المختلفة، لإنجاح عملية ضربه.
تدبير الصراع السياسي في المغرب، كان معنيا بهذه الاستراتيجية منذ سنوات، وتم استعمالها مع تنظيمات مختلفة، قد يكون آخرها حزب العدالة والتنمية، الذي ما يزال يعيش على وقع الارتباك بسبب تداعيات إعفاء أمينه العام السابق الاستاذ عبد الإله بنيكران، من مهمة تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016، وتداعيات الخلاف حول تمكينه من ولاية إضافية على رأس الحزب.
معلوم أن حزب العدالة والتنمية، له خصوصية في نشأته، باعتباره خرج من رحم حركة التوحيد والإصلاح، التي رعت ولادته الثانية، ووفرت له إمكانات بشرية وغيرها، فكان طبيعيا أن يكون مركز قوته في بداياته داخل الحركة، وبالضبط في موقع القيادة، التي كان يُشرف عليها الدكتور أحمد الريسوني.
جرى ذلك خلال نهاية التسعينات وبداية القرن الحالي، فما كان من خصومه إلا التركيز في الحرب الإعلامية أساسا، على الحركة وعلى رئيسها في تلك الفترة، إلى أن جاءت فرصة حواره الشهير مع إحدى الجرائد الناطقة بالفرنسية سنة 2003، واستغلال إثارته لموضوع إمارة المؤمنين، فكانت النتيجة تقديمه لاستقالته، مما شكّل ضربة قاسية للحركة وللحزب معا، تزامنت مع تداعيات الأحداث الإرهابية لـ 16 ماي 2003 عليهما.
بالموازاة مع ذلك، كان مركز قوة آخر للعدالة والتنمية في طور التشكل، احتضنه فريق الحزب بمجلس النواب، في الولاية الثانية له بالمؤسسة التشريعية، بعد مرحلة التأسيس (1997-2002)، مع ما واكبها من إشعاع لصالح الحزب، مكنه من موقع مقدر داخل المشهد السياسي الوطني، وانتشار واسع داخل المجتمع.
مركز القوة هذا، عرف هو الآخر استهدافا، في الفترة نفسها التي شهدت ضرب مركز القوة الأول، وانتهى هذا الاستهداف بتقديم الأستاذ مصطفى الرميد استقالته من رئاسة الفريق، في أكتوبر من سنة 2003، بعدا إعادة انتخابه رئيسا، موضحا في تصريحات للصحافة حينها أن بعض الجهات هي من كانت وراء تقديم استقالته من رئاسة الفريق، بعدما وصل الأمر إلى توجيه تهديدات مباشرة للحزب، مضيفا “تحملت مسؤوليتي، وقدمت استقالتي لتجنيب حزبي كل ما من شأنه أن يضر به”.
هكذا تم تجريد الحزب من مركزيْ قوة في السنة نفسها، وهو ما جعله يعيش على وقع الارتباك والضعف، تجسدا في النتائج التي حصل عليها، في انتخابات 2007، حيث انتقل عدد نوابه من 42 إلى 46 فقط، وفي الحقيقة كانت هذه النتائج ناقوس خطر، حول مستقبل المسار الذي اختاره الحزب، وامتحانا للشعارات التي ظل يرفعها.
وفي المؤتمر الوطني السادس المنعقد سنة 2008، اختار أعضاء الحزب الأستاذ عبد الإله بنكيران أمينا عاما، لينتقل خصوم الحزب إلى مرحلة أخرى من المواجهة، بالإعلان عن تأسيس حزب “الأصالة والمعاصرة”، غير أن الحزب استعاد تماسكه التنظيمي وأطلق دينامية جديدة داخل الحزب، وحدت صفه في المعارك السياسية التي خاضها فيما بعد، وداخل المشهد السياسي الوطني، من خلال اجتراح أطروحة النضال الديمقراطي.
وتحولت الأمانة العامة بعد مؤتمر 2008، إلى مركز قوة داخل الحزب، محورها كان الأمين العام الأستاذ عبد الإله بنكيران، ولذلك تم استهدافه شخصيا واستهداف الأمانة العامة بوابل من البلاغات والتهديد بالمتابعة القضائية من أطراف كثيرة، بما فيها وزارة الداخلية، خاصة عندما كان يُثير النقاش حول أحداث 16 ماي الإرهابية.
واستمر مركز قوة الحزب في أمانته العامة، بعد نجاحها في معركة المواجهة مع “حزب الأصالة والمعاصرة” بمناسبة الانتخابات الجماعية لسنة 2009، وما تلاها من معارك، إلى أن هبت رياح الربيع الديمقراطي سنة 2011، فجَرَت محاولة استهداف وحدة الأمانة العامة، بعد تداعيات قرار عدم المشاركة في مسيرات 20 فبراير، ومخالفة عدد من أعضاء الأمانة العامة للقرار، ونزولهم في بعض المسيرات، وعلى رأسهم الأستاذ مصطفى الرميد والدكتور سعد الدين العثماني وغيرهما، إلا أنه سرعان ما عادت الأمور إلى نصابها بتراجع من كانوا قد قرروا الاستقالة من الأمانة العامة، وانخراط الجميع في أطروحة الحزب التي تفاعل بها مع حراك 2011، والتي عنونها بـ”الإصلاح في ظل الاستقرار”، فكانت النتيجة أن تبوأ المرتبة الأولى في انتخابات 25 نونبر 2011، وبالتالي تولي أمينه العام رئاسة الحكومة، ومع ذلك استمر استهداف الامانة العامة من خلال رفض استوزار الأستاذ الرميد في بداية مفاوضات تشكيل الحكومة.
الذي حصل بعد 2011، هو أن حزب العدالة والتنمية، أصبح له مركزا قوة، وهما الأمانة العامة ورئاسة الحكومة أيضا، بعد نجاح الأستاذ عبد الإله بنكيران، في تحويلها إلى عنصر قوة اضافي لصالح الحزب ولصالح المجتمع كذلك، فكان طبيعيا أن يتم استهداف الحزب في هذين المركزين، وهو ما كان بالفعل عبر مراحل، منها تدبير أزمة مغادرة حزب الاستقلال للأغلبية الحكومية سنة 2013، وإخراج الدكتور العثماني من الحكومة، الى جانب حملات اعلامية منظمة ومكثفة، مرورا بإعفاء الأستاذ بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة، بعد فضيحة البلوكاج الذي أعقب انتخابات 7 أكتوبر 2016، ووصولا إلى فشل مساعي الإبقاء عليه أمينا عاما للحزب خلال مؤتمر 2017.
وهكذا فقدَ الحزب مركز قوته، ليعيش إلى اليوم في وضع صعب تنظيميا وسياسيا، ربما لاعتبارين، أولهما أن وحدته مُست بعد الإعلان عن حكومة الدكتور سعد الدين العثماني، على الأقل على المستوى النفسي لأعضائه في مختلف مستويات التنظيم، فلم يخض معاركه بالوحدة المرجوة، وثانيهما أنه فشل في نقل مركز قوته إلى مكان آخر بالسرعة المطلوبة، خاصة أن القيادة الحالية لم تستطع الإبقاء على رئاسة الحكومة ولا على الأمانة العامة مركزا لقوة الحزب، بالنظر إلى معطيات كثيرة موضوعية وذاتية.
بكلمة، حزب العدالة والتنمية مطالب بالتفكير في مركز قوة، خارج الأمانة العامة وخارج الحكومة وفق المعطيات الحالية، في أقرب وقت ممكن، يمكنه من إطلاق تعبئة جماعية داخل الحزب، تعيد الاطمئنان إلى أعضائه ومناصريه، وتحفزهم على الانخراط في الدفاع عنه، وعن انجازاته سواء داخل الحكومة أو في الجماعات الترابية … من يدري، ربما تكون شبيبة الحزب مؤهلة لهذا الدور وأكثر استعدادا من غيرها لتحمل هذه المسؤولية !!