هنأناه على ذلك، وكان فرحا، فرحا جدا، ثم أخذ يحدثا عن السينمائي الدنمركي كارل تيودور دريير وعن"أوردي"، فيلم مذهل أنتج سنة 1955.
كان يرغب في الكلام عن عشقه للسينما، مستحضرا لحظات الهناءة التي يجدها في بعض الأفلام الكبيرة.
يعترف أنه يشاهد 150 فيلما في السنة، وتحدثنا عن مورنو وبونييل وروسلليني، وعن العصر الذهبي للسينما الإيطالية الذي اغتالته القنوات التلفزيونية التابعة لبرلسكوني.
بدا رئيسنا بارعا في الإجابات، واعترف أنه شغف يتقاسمه مع زوجته. سألته عن السبب الذي يمنعه من السكن في قصر الإليزيه، فرد"يحدث أحيانا أن نقضي فيه نهاية الأسبوع".
لا أعرف كيف وقع وأن أثرت "غريب" ألبير كامي، فحاول الرئيس أن يستشهد بالجملة الأولى من الرواية"ماما توفيت اليوم أو أمس…"، الجميع شاركه في ذلك، وانتهى بنا الأمر إلى نطق الجملة بشكل صحيح"توفيت أمي اليوم، أو ربما توفيت أمس، لا أعرف بالضبط"، وضحكنا لذلك، وبعدها تساءلنا من جديد عن جنون العظمة عند القذافي، فقال لنا الرئيس:"كانت الممرضات البلغاريات يتعرضن كل يوم للضرب والاغتصاب، فكان من اللازم إخراجهن من هناك، والمقابل كان هو دعوته إلى باريس".
وتهكم الرئيس على المال الذي ادعى ابن القذافي أنه منحه له من أجل الحملة الانتخابية لسنة 2007. "20 مليونا! وهل كلفت حملتي 20 مليونا، لقد وضعت مال القذافي في جيبي" (وقام بتمثيل الحركة)، ثم ضحكنا لذلك.
أوقعت به في الفخ بأن قلت له" إذا كانت حملة 2007 قد كلفت سيدي الرئيس 20 مليونا، فكم تتوقعون أن تصل كلفة حملة 2012؟"، فانفجر ضاحكا، ثم قال"أكثر من هذا المبلغ بالتأكيد، لكننا لسنا في أمريكا"، وهكذا علمت أنه سيتقدم إلى الانتخابات الرئاسية القادمة.
مزاجه المرح معد، ومادامت لن تتاح لي في القريب فرصة الحديث إليه مباشرة، فقد انتهزت تلك اللحظة لطرح بعض المشاكل التي تهم الإسلام والعلمانية والجبهة الوطنية:"يمكنك أن تطلب سيدي الرئيس من صديقك جون فرونسوا كوبي أن يترك جانبا الجدل الدائر حول الإسلام، تعلم جيدا أن المسلمين هم في طور الاندماج، وأنه ليس من الضروري وصمهم بالعار كل مرة، قل لكوبي بأن يهدئ من روعه"، وعند هذه النقطة أصبح حادا"إن المشاكل تصبح غير قابلة للحل عندما نسكت عنها، الصمت ليس جيدا، وإنه لمن الطبيعي جدا أن نفكر جميعا في مكانة الإسلام داخل بلادنا".
تحدثنا عن ابنه "لوي" وعن ابني الذي في نفس عمره، وعن الفيسبوك!"هذا الشيء الذي يفترس أبناءنا، ففي كل مرة ألاحظ أن جلوسه الطويل أمام الإنترنيت يمنعه من إنجاز واجباته الدراسية بشكل جيد"، وأحكي له أن ابني هو الآخر مفتون بهذا الوسيط.
قدمت لنا مقبلات عبارة عن هليون نوغاري و قشدة طماطم معسلة، وكان النبيذ الأبيض من نوع كوندريو لادوريان 1995 رائعا، أما الرئيس فلم يشرب إلا الماء.
تكلمنا ثانية عن الإسلام وعن استطلاعات الرأي، وهنا أبدى لنا الرئيس غضبه من الصحفيين، فقد كان مقتنعا أنهم غير عادلين وأن نواياهم تظل سيئة مهما فعل، وأخذ مثالا بي وقال: إن الأمر يشبه انتهاءك من كتابة رواية، وقبل حتى أن تصدر، يهاجمها الصحافيون! قلت له إن النقاد الأدبيين هم أكثر جدية ولا ينتقدون أي كتاب إلا بعد صدوره، فاستشهد كيفما اتفق بعناوين مجلة"ماريان": "المارق" و"المجنون" و"التافه"، وقد كان متألما كما يظهر من ذلك.
إنه لا يعرف كيف يعمل من أجل أن يجذب إليه وسائل إعلام أكثر رأفة وعدلا، وحكى لنا لماذا رفض الذهاب إلى برنامج"تاديي" "سو سوار أو جامي": "إنه لا يقرأ كتب مدعويه، فرفضت الحضور ". يتأسف على مرحلة برامج برنار بيفو، ويستغرب للحيز الذي خصصته مجلة"إيل" لمارين لوبين، ولا يستوعب ولع الصحافة بهذه السيدة، فوسائل الإعلام بالنسبة إليه هي من وضعتها في الواجهة، فقلت له"لكن لماذا يستولي الاتحاد من أجل حركة شعبية على أفكار الجبهة الوطنية من أجل استمالة ناخبي هذا الحزب؟".
إلا أنه نفي ذلك، فهو مقتنع أن تقدم حزب اليمين المتطرف ناتج عن الضوء المسلط عليه من طرف وسائل الإعلام.
بعد ذلك قدمت الوجبة الرئيسية وكانت عبارة عن طورتية لحم خروف بالأعشاب، ناعمة ورقيقة، مرفقة بنبيذ أحمر شومبارتان من النوع الفاخر يعود إلى 1993.
لفتت انتباهه إلى الخدمات العمومية في فرنسا والتي تعتبر رائعة لكنها مهددة، فرفع ذراعه وقال لنا بأنه لا توجد أموال لضمان خدمات عمومية جيدة، فـ"لا يمكننا الزيادة في الاقتطاعات، وإن فعلنا ذلك سيرحل أصحاب الشركات الصناعية"، فاقترحت عليه أن يتحصل على المال من وزارة الدفاع، إلا أن هذه النقطة ليست بالنسبة إليه موضوع نقاش، و قلت له في أعقاب ذلك"أخرجوا من أفغانستان، إنها حرب خاسرة".
ذكرنا أنه نجح في تمرير إصلاح التقاعد دون حدوث مشاكل، وحين وصلت حلوى ما بعد الطعام، والتي كانت عبارة عن فطائر شوكولا بصلصة زعفران، قدم له هو جبن أبيض.
تحدثنا عن تركيا، التي "لن تصبح أبدا جزءا من أوربا" بالنسبة إليه، ثم أضاف" هل تتخيلون الصعوبات التي كنا سنواجهها لحظة الأزمة اليونانية لو أن تركيا كانت لها كلمتها؟"، وبعد القهوة رافقنا الرئيس إلى غاية باب الخروج.
أتذكر عشاء مماثلا مع جاك شيراك، ولن أنسى أبدا ما قاله لي عندما سلم علي"لقد التهمت كتبك قبل أن أستقبلك!"
أراد نيكولا ساركوزي ببساطة تقويض بعض الأحكام المسبقة حول مستواه الثقافي، والشيء الأكيد هو أن رئيسنا عاشق للسينما من الطراز الأول، ويحتاج فقط إلى أن يحبه الصحفيون.
لوموند الأحد 17 أبريل
.