حميد زيد – كود ////
لن تجد السلطة في المستقبل القريب صحفيا لتعتقله.
أو لتمارس عليه الرقابة.
أو لتمنعه من الكتابة.
هذا كان في الماضي. أما الآن فيصعب على السلطة أن تضيق على الصحفي.
وحتى لو فكرت في مكافأته.
وفي تتويجه.
أو في منحه الدعم والراتب بداية كل شهر.
فلن تعثر عليه.
ولن تجده بسهولة.
فهذا الكائن الذي كان متوفرا بكثرة في المغرب. صار يتحول في الآونة الأخيرة إلى شيء آخر.
وكم من زميل لنا تعرض للمسخ.
و منا من تحول إلى يوتوبر. والبعض صار صانع محتوى. والبعض الآخر صار مؤثرا.
وهناك من اختار أن يتدفق في نهر الستريم الجارف. مستسلما للتيار. مغامرا بمهنته. وبسمعته.
عله يصل إلى الضفة الأخرى.
إنها مسألة وقت وسنختفي جميعا. ليتم استبدالنا. بكائنات جديدة.
والدولة الآن هي التي تحافظ علينا مشكورة. وتضعنا في محميات. وتعتني بنا.
لكن إلى متى.
فنحن لم نعد نظهر لها.
ولم نعد نزعجها.
ولم نعد نراقبها.
ولم يعد الصحفي مؤثرا. ولم يعد له صوت.
ولم يعد له قلم.
ومن يرفض أن يمسخ. ومن يقاوم. ومن يصر على الاحتفاظ باللقب. فإنه إلى زوال. ولن يصمد طويلا.
وفي كل مرة يموت صحفي قديم.
ويكون هناك نعي.
إلى أن يختفي آخر صحفي.
والذين يولدون. والذين يلتحقون بالمهنة. يحملون ميكروفونات. وهواتف.
ولا من يحلم منهم قلما.
ولا من يختار طوعا أن يكتب.
كي يعوض اليوتوبرز ممارسي هذه المهنة الآيلة للانقراض.
ويخلف صانع المحتوى كاتب العمود.
ويحتل الركن.
ويستوطن الصفحة. ويضع كاميرا فوقها.
وقبل أن يختفي أي أثر للصحفي. وتختفي مقالاته. وأخباره. و روبورتاجاته. وآراؤه. وتختفي الترويسة.
ويختفي المكتب.
فاليوتوبر يجلس الآن في سيارته. مشتغلا بداخلها. مطلقا اللايفات.
مسرعا.
سائقا.
ويده على المقود. فاضحا الفساد. في الطريق. وفي الباركينغ.
منتظرا إعلان وفاة مهنة. ليحل مكانها.
وكلما اعتقل واحد من هؤلاء اليوتوبرز فإن ذلك يكون من داخل الفيديو.
وليس من مقر الجريدة.
وليس وهو في مكتبه.
وكلما أرادت وزارة أو مؤسسة أن تروج لنفسها
أو تعرف بعملها
أتت بسوينغة الذي يتعذب ويعاني وهو يكتب العربية
لكنه بليغ في صناعة المحتوى
واتصلت بالمؤثرين
لاقتناعها بأن الصحفي المغربي القديم يحتضر
ولا دور له ولا تأثير
ولا من يسمعه. ولا من يقرؤه. ولا من يتابعه.
ولذلك تشفق الدولة على الصحفي
وتمنحه راتبه
وتحقق الشرطة مع المدونين والمؤثرين
و يُحاكم اليوتبورز
و يُسجن صناع المحتوى
ويدافع عن حريتهم في التعبير الحقوقيون
بينما لا أحد يتابع صحفيا
ولا أحد يشتكي منه
لأنه ببساطة لم يعد موجودا
ولأنه نادر
ومعرض في أي لحظة للانقراض
وكل ما يقع الآن
هو من داخل الفيديو.
وكل من مع السلطة. ومن ضدها. ومن يراقبها. ومن يمدحها
وكل من تحتاج إليه
وكل من يزعجها
فهو موجود في الشاشة
ورغم أن الصحفي له نقابة وله مجلس
وله باترونا
وله من يتحدث باسمه
فهو غير موجود في الواقع
ومن لم ينسحب بعد. ومن لم يمت
فهو يتلقى راتبه من الدولة
ويتفرج في اليوتوب مثلما يفعل كل الناس.
و يتنابز بالألقاب
ويحن إلى الماضي
إلى أن يحين أجله.