خديجة شاكيري- كود//
مع وصول رئيس الوزراء المعين الجديد كامل إدريس، بدأ الحديث يدور عن فخ إخواني جديد منصوب للرجل قبل أن يتولى مهامه، ويتمثل في ضغوط مارستها الحركة الإسلامية على رأس سلطة بورتسودان عبدالفتاح البرهان من أجل تمرير أسماء وزراء من الصف الثاني للإسلاميين تحت مسمى “وزراء تكنوقراط”.
وفيما يبدو مؤشرًا على استجابة البرهان لضغوط الإسلاميين، قرر إلغاء التوجيه السابق بإشراف أعضاء مجلس السيادة الانقلابي على الوزارات والوحدات الحكومية، ما يمنح إدريس حزمة من الصلاحيات الواسعة، وإحالة المهام المدنية إليه. وهذا يعني إلغاء المحاصصة بين القوى والمليشيات المتحالفة مع الجيش ما يشير إلى صدام قادم لا محالة بين حلفاء البرهان.
تستشهد الصحفية السودانية صباح محمد الحسن، في مقال لها بصحيفة «الجريدة» بحديث السفير الأمريكي السابق لدى السودان تيموثي مايكل كارني، بأن حكومة بورتسودان أصبحت منبوذة على صعيد الأسرة الدولية، ما يعني أنه لا حاجة لاستخدام الأسلوب الدبلوماسي الناعم في رده ومخاطبته لحكومة بورتسودان، وهو بهذا يرفع الغطاء ليوضح المكانة التي تجلس عليها الآن حكومة البرهان، والتي يبدو أن العالم وضعها في مقعد معزول، وقرر ألا يتعامل معها.
وتوضح الحسن أن القرار الأمريكي بات واضحًا بفرض عقوبات ضد الجيش السوداني بسبب استخدام السلاح الكيماوي وهي مجرد بداية ستكتب نهاية الحكومة، وتهدد المستقبل السياسي للبرهان وتنظيم الإخوان.
غطاء مدني
يقول الحزب الشيوعي السوداني إن سلطات الانقلاب العسكري في بورتسودان عينت رئيسًا للوزراء تمهيدًا لتشكيل حكومة بديلة، ورغم هذا لا تزال الحرب مستمرة دون توقف، مفاقمةً من معاناة المواطنين ودمار البلاد.
ويشير إلى أن اختيار كامل إدريس رئيسًا لما تعرف بحكومة بورتسودان جاء نتيجة ضغط تمارسه أطراف دولية منخرطة في الصراع، تهدف إلى توفير غطاء مدني، وتلعب بعض الحكومات في المنطقة أدوارًا مشبوهة في إعادة تجميع فلول الحركة الإسلامية تحت لافتات جديدة، تمهيدًا لصعودها مجددًا إلى السلطة، وهي مؤامرات مفضوحة لا تخفى على أحد.
ويضيف: «في الأثناء، تفرض الحرب واقعًا مأساويًا على عامة الشعب، حيث تتفشى الأمراض، ويشتد الجوع، وتنعدم المياه والكهرباء، ويسقط المئات يوميًا جراء القصف الجوي للجيش . الحكومة المرتقبة في بورتسودان ورئيس وزرائها المعين لن يكونا سوى دمى في يد قادة الانقلاب العسكري، دون صلاحيات حقيقية أو استقلال في القرار».
ويطالب الحزب بتصعيد الحركة الاحتجاجية من أجل انتزاع المطالب العادلة كتحسين الأجور والمعاشات، وصرف الرواتب المتوقفة، ووقف العمليات العسكرية في المناطق السكنية، ومنع انتشار المسلحين وسط المدنيين، وقبل ذلك يجب استقرار الحياة الطبيعية عبر وقف الحرب.
مخاوف الحركات المسلحة
مع بدء العد التنازلي لتشكيل ما تعرف بحكومة بورتسودان، يدور حديث المراقبين عن ضغوط تمارسها الحركة الإسلامية لتنفيذ مخطط الأطراف المقربة من البرهان لإبعاد الحركات المسلحة عن عدد من الوزارات السيادية على غرار وزارتي المالية والمعادن، مع تأكيد مصادر مطلعة على نية البرهان السيطرة على الوزارتين عبر شخصيات موالية شخصيا له .
ويخشى الإسلاميون من تزايد نشاط الحركات المسلحة في مناطق شرق السودان، فهناك أكثر من ثلاثة ميليشيات مسلحة دارفورية، على رأسها «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي أو ما يعرف بـ«حاكم إقليم دارفور»، وحركة العدل والمساواة السودانية بقيادة «وزير مالية بورتسودان» جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان فصيل مصطفى طمبور، وهي حركات مسلحة وقعت اتفاقية سلام السودان في جوبا ثم انحازت للبرهان.
يشير الناشط والباحث السوداني، عبدالله محمد آدم إبراهيم، إلى أن مناصب بورتسودان على المحك باعتبار هذا ثمن سياسي للخسارة العسكرية، موضحًا أنه منذ انتقال سلطة الأمر الواقع إلى بورتسودان، تحولت من مجرد مركز طارئ إلى عاصمة فعلية تدير منها سلطة البرهان في البلاد.
ومع هذا التحول، أصبحت الحركات المسلحة تتشبث بمقاعدها داخل الحكومة، مدركة أن تآكل نفوذها العسكري في دارفور قد يؤدي إلى استبعادها من المشهد السياسي بشكل كامل، وفق الناشط إبراهيم.
المراقبون يشيرون إلى أن بعض القيادات العسكرية في الحركات المسلحة هذه باتت تتعامل على سبيل المثال مع معركة الفاشر على أنها «معركة مناصب»، وأن كل تراجع ميداني يضعف من حجتهم السياسية داخل دوائر السلطة.
وهناك أحاديث – بحسب الناشط إبراهيم – عن صراعات داخلية بين قادة الحركات حول جدوى الاستمرار في الحرب، خاصة مع تعاظم الخسائر البشرية، في مقابل حرص آخرين على التمسك بالبقاء في الحكومة بأي ثمن، حتى لو تطلب الأمر تحالفات غير تقليدية أو تنازلات ميدانية للجنرالات في بوتسودان.
وتتزايد أهمية وزارة المعادن في ظل الدخول التي يتمتع بها السودان من إنتاج الذهب وحده، إذ يشير السفير أحمد سوار، هو القائم بأعمال سفارة السودان لدى البرازيل، في تصريحات نقلتها عنه وكالة الأنباء العربية البرازيلية، نوفمبر الماضي، إلى أن السودان يحتل المرتبة الثالثة في إنتاج الذهب بعد جنوب أفريقيا وغانا وتليه مالي.
وبلغت معدلات إنتاج الذهب في السودان خلال أعوام ما قبل الحرب ما بين 120 إلى 200 طن سنويًا، وقد أثبتت دراسات الجدوى وتجارب الشركات التي استثمرت في الذهب بأن نسبة الاستخلاص تعادل ما قيمته 26 جرامًا للطن الخام فيما يتراوح متوسط الاستخلاص عالميًا ما قيمته من ثلاثة إلى ستة جرامات للطن الخام.
وبلغ إجمالي تصديقات وزارة المعادن لشركات اجنبية في قطاع الذهب وحده 435 تصديقًا لشركات تتفاوت أحجام استثماراتها على مستوى الأعماق والمستوى السطحي كما أن الآلاف من المواطنين السودانيين قد توجهوا للتعدين التقليدي السطحي الذي يحقق لهم دخلاً جيداً، وذلك حتى اندلاع الحرب.
ويشكل الذهب حالياً أكبر عائدات صادرات السودان وهو ما يجعل الصراع محتدما على السيطرة على وزارة المعادن بين اقطاب سلطة الانقلاب.