هشام أعناجي – كود//
سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 كان نقطة تحول، لكنه فتح الباب أمام صراعات جديدة، حيث برزت هيئة تحرير الشام كقوة مهيمنة تسعى لفرض رؤيتها المتطرفة على الأرض؛ هذه القوة، التي تطورت من جبهة النصرة ذات الجذور القاعدية، تتلقى دعماً مالياً قطرياً وتدريباً وسلاحاً تركياً، مما يعزز قدرتها على تنفيذ عمليات وحشية كتلك التي رأيناها في الساحل السوري، حيث قُتل مدنيون وأطفال بدم بارد في إعدامات ميدانية تحمل طابعاً طائفياً صارخاً.
ما شهده الساحل السوري في الآونة الأخيرة أحداث دموية مروعة، كشفت عن خطورة الوضع العام في سوريا، وأسفرت عن سقوط العديد من الضحايا والدمار، مما أثار موجة من الاستنكار الدولي بسبب تصاعد العنف الطائفي
قتل جماعي وانتقام طائفي
وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر، بحسب الادعاءات، عملية إلقاء جثث في الأودية والجبال،الفيديو تم تداوله بالتزامن مع الاشتباكات العنيفة في محافظتي اللاذقية وطرطوس بين قوات الحكومية الجديدة، والفصائل المسلحة التابع لها، وعناصر موالية للرئيس السابق بشار الأسد.
التفاعل على الفيديو كان مفعماً بالغضب، حيث يظهر الفيديو “جثامين القتلى تُرمى في الوديان للتخلص منها على يد الجماعات الإرهابية رجال الجولاني”، في إشارة إلى جبهة النصرة.
في هذا السياق، أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن العديد من العائلات، بما في ذلك النساء والأطفال، لقوا حتفهم في أعمال العنف الأخيرة التي ضربت المنطقة الساحلية.
وأوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة أن مقتل 111 مدنياً تم التحقق منه حتى الآن، بينما يُعتقد أن الرقم الفعلي للضحايا أعلى بكثير، مشيراً إلى أن العديد من هذه الحوادث كانت عمليات إعدام ميدانية، على ما يبدو كانت تستند إلى اعتبارات طائفية، حيث كانت المناطق ذات الغالبية العلوية هي المستهدفة بشكل خاص.
وقد سجلت مصادر حقوقية حصيلة ثقيلة في الأرواح، حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل 1,225 شخصاً من المدنيين، بالإضافة إلى 230 عنصراً من قوات الأمن ومن فصائل جهادية موالية للحكومة الجديدة و250 مقاتلاً من المحسوبين على نظام الاسد.
كما سجلت التقارير أن قوات الأمن التابعة للحكومة الانتقالية قامت بعمليات قتل انتقامية، بما في ذلك الاقتحام الوحشي للقرى العلوية ونهب المنازل والمتاجر، وقتل عائلات بكاملها وفق ما أكد بيان لوزارة الخارجية الأميريكية .
النزوح والتشرد
ونتيجة لهذه المواجهات العنيفة، نزحت العديد من العائلات إلى مناطق أكثر أماناً. لجأ العديد منهم إلى قاعدة حميميم الجوية الخاضعة للسيطرة الروسية أو إلى مناطق ريفية والى جبال وغابات بعيدة عن سيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل الجهادية التى توافدت الى مناطق الساحل من إدلب ومناطق اخرى إثر نداءات من بعض المساجد للجهاد ضد العلويين وفق شهود عيان.
وفي بعض الحالات، عبرت عائلات إلى لبنان، كما روت امرأة نازحة لبي بي سي عن مذبحة تعرضت لها عائلتها في ريف حماة، حيث تم إعدام الرجال العلويين في صف واحد على يد مسلحين يتبعون لهيئة تحرير الشام.
مستقبل مظلم
تعكس هذه الأحداث عمق الصراع الطائفي في سوريا وتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة الساحلية، التي كانت يوماً ما من أبرز معاقل النظام السابق.
ما تشهده منطقة الساحل السوري اليوم ليس مجرد موجة عنف عابرة، بل إشارة واضحة إلى خطورة نفوذ المتطرفين في سوريا، وهو ما ينذر بمستقبل مظلم قد يغرق البلاد في فوضى لا نهائية.
صعوبة السيطرة على الفصائل المتطرفة
المشكلة الأعمق تكمن في صعوبة السيطرة على هذه الفصائل، التي لا تعمل تحت قيادة موحدة بالضرورة، بل تتأثر بأجندات خارجية ودوافع طائفية.
الدعم المالي والتدريب الخارجيين يمنحان هذه الجماعات قوة عسكرية كبيرة ، لكنهما لا يضمنان انضباطها أو خضوعها لسلطة مركزية. ما رأيناه في الساحل السوري – من نهب وقتل وحشي – يعكس انعدام المساءلة وسيادة منطق الانتقام الطائفي. هذا السلوك لا يقتصر على هيئة تحرير الشام وحدها، بل يمتد إلى فصائل جهادية أخرى انضمت إلى العمليات تحت شعارات دينية، مما يزيد من تعقيد المشهد.