حسن حمورو


تُتيح حالة “البلوكاج” المتعمّد، التي تسيطر على مسار تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016، العودة إلى البحث في المقاربات التي ظلت الدولة توظفها إزاء حزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات.
علينا ألّا ننسى أن حزب العدالة والتنمية ما يزال يُتعامل معه كمكون إسلامي جديد على المشهد السياسي والاجتماعي، اقتضت استراتيجية التعامل معه انتهاج عدد من المقاربات، يتداخل فيها السياسي البراغماتي بالأمني بالاجتماعي الثقافي، تهدف جميعها إلى تحقيق إدماجٍ مُتحكّم فيه لهذا المكون.
ويكشف تاريخ العلاقة بين الدولة وحزب العدالة والتنمية، على الأقل منذ سنة 1997، مدّا وجزراتراوح بين التحجيم والتضييق والإدماج المشروط، في إطار عملية انفتاح فرضتها ظروف وسياقات داخلية وخارجية، لكنها عموما لم تصل حد الإقصاء كالتي شهدتها دول أخرى كمصر وتونس، قبل أن تظهر نتائج هذا الإقصاء ذات ربيع نُسب إلى العرب.
لقد كانت الدولة المغربية دائمة التفاعل مع حزب العدالة والتنمية، باعتباره ممثلا للحركة الاسلاميةالمؤمنة بالعمل في المؤسسات، محاوِلة الاستفادة من مزاياه وخدماته، ومما سهل المأمورية عليها، كون قيادة الحزب اتسمت بالمرونة اللازمة الناجمة عن استيعاب مقدّر لاستراتيجية الدولة تُجاه الحزب، وعن قراءة متبصرة للسياقات الدولية التي تحكم قضايا التعامل مع الإسلاميين،وقضايا الديمقراطية في الدول التي تشبه المغرب، مما ساعد على ايجاد هوامش المبادرة والتحرك أمامه، وفوّت على خصومه فرصة الوصول إلى مرحلة الخنق.
إن التقدم الانتخابي الكبير الذي حصل عليه العدالة والتنمية في انتخابات 7 أكتوبر 2016، قطعا لم يكن مفاجئا لصانعي القرار المتابعين والراصدين لمسيرته ومساره، وإنما كانت مؤشراته واضحة منذ انتخابات 2002 أو قبلها، وما تلاها من انتخابات شكّلت محطات اختبار حقيقية للعلاقة بين الدولة والحزب، بما نتج عنها من مواقع سياسية احتلها الحزب في المشهد السياسي الوطني،سواء عندما كان في المعارضة أو وهو يترأس الحكومة بعد حراك سنة 2011.
وقد تابعنا جميعا كيف كان يُسمح للحزب وهو في المعارضة، أن يملأ الهامش الذي كان متاحا أمامه بمواقف ومبادرات نشطت الحياة السياسية ودعمت الثقة في مؤسسات الدولة، رغم حدتها في أحيان كثيرة، ولجوئه إلى استعراض القوة في التعبئة الجماهيرية، وفي المقابل تابعنا كيف تم التضييق عليه وهو يرأس الحكومة، ومنع عدد من أنشطته حتى التي أطرها عدد من وزرائه، وتابعنا أيضا كيف تم إبطاء تفعيل عدد من القرارات التي اتخذتها الحكومة، واتخاذ قرارات أخرى باسم الحكومة اعتُبرت مسيئة للحزب ولعلاقته بفئات مجتمعية مختلفة.
وتشير الاستراتيجية المذكورة، إلى تدافع مقاربتين على الأقل في ضبط علاقة الدولة بحزب العدالة والتنمية، يمكن وصف الأولى بالسياسية البراغماتية المباشرة، ارتكزت أساسا على كيف يمكن توظيف القدرة التعبوية للحزب، وامتداده التنظيمي والشعبي، في تنشيط الحياة السياسية، وجعله فاعلا في تدبير التناقضات التي فرضتها التحولات التي عرفتها البلاد، إما بفعل داخلي أو استجابة لضغط خارجي، ولمواجهة الفراغ الذي خلفه تراجع النخب الحزبية التقليدية التي غادرت مرحلة التناوب التوافقي وهي تعاني من الإنهاك.
أما المقاربة الثانية، فهي مقاربة أمنية، وجدت في ما بعد أحداث 16 ماي 2003، مبررا لتطبيقها والإبقاء عليها تُجاه الحزب، وتهدف إلى تضييق هامش المبادرة أمام الحزب، وجعله يشتغل تحت الضغط، وتهدف إلى الإضعاف والإنهاك، وإفقاد مواقفه القوة والفاعلية المطلوبة للتأثير في مجريات الأحداث، وخدش مصداقيته أمام الرأي العام، وذلك من خلال إظهاره بمظهر الضعيف غير القادر على المواجهة وبمظهر المستسلم المتنازِل.
إن ما يجري هذه الأيام مما يوصف إعلاميا بوضع البلوكاج الحكومي، لا يخرج في تقديري عنالعودة إلى إعمال المقاربة الثانية، في حق حزب العدالة والتنمية، وهو ما تشهد عليه الحملات الإعلامية التي تولت كبرها المنابر القريبة من السلطة أو الممولة من المقربين من دائرتها، حيث لا صوت يعلو على صوت التجييش والتشويه الممنهج للخط الفكري والسياسي للحزب، والتحرشبوسطيته واعتداله، والتعسف في محاولات إلصاق تهم الإرهاب به، كل ذلك لإرغامه على القبول بالخطة المرسومة سلفا، والتي قد تكون وراءها استجابة لضغوط خارجية مرتبطة بالمسار الذي دخلته المنطقة خاصة في القضايا المتعلقة بالمجتمع والأمن والديمقراطية، أو قد تكون وراءها اعتبارات أخرى مرتبطة بمسار الإدماج وفق حسابات الدولة، خاصة إذا كان استمرار التقدم السياسي للحزب ولأمينه العام الأستاذ عبد الإله بنكيران، سيُنظَر إليه كعامل إعاقة لهذه الاستجابة أو تلك، أو مُربكا لوتيرتها.
ومؤكد أن الفاعلين في هذه المقاربة الأمنية ينطلقون من فكرة مفادها، أن السماح لحزب العدالة والتنمية بتسيّد المشهد السياسي خلال المرحلة السابقة، كان مقامرة، أو في أحسن الأحوال كان خطأ ينبغي تصحيحه، وقوسا ينبغي إغلاقه، دون دراسة أثر ذلك على صورة البلاد وعلى مستقبل علاقة المواطنين بدولتهم.