لا تتوقف المناورات ذات اليمين وذات الشمال لسلك الطريق، وفي حالة مواجهة سيارة في الاتجاه المعاكس، وجب الخروج بنصف السيارة تجنبا لأية حادثة قاتلة في هذه المرتفعات، ليبدأ ما يسميه السكان هنا بالنزول في اتجاه البحر الأبيض المتوسط، عبر مناظر طبيعية خلابة، تبرز فيها أشجار اللوز والتين ومداشر تتناثر على الطريق، ومجموعات من الأغنام,
ويبقى المشهد المفزع هو وادي كبير جدا يقع بين سلسلتين جبليتين موازيتين، ويزداد اتساعا كل عام بسبب التعرية الطبيعية وقطع الأشجار، ليواجه السكان في موسم الأمطار فيضانات تهدد منازلهم وحياتهم، خاصة في الليل مع الظلام الدامس، ليرتفع مطلب جماعي للسكان بضرورة خلق السواتر الحجرية وفق التقنية التي تركها الاستعمار الإسباني كأسلوب للحماية من الفيضانات، ويطلق عليها السكان هنا اسم “الكاباري”.
تقنية “الكاباري” تقوم على ترتيب الأحجار داخل سياج معدني لرصها كجدار من دون إسمنت، ويوضع على حافة الأودية ليقف أمام مياه الوديان حتى لا تسبب انجرافا للتربة وضياعا للحقول الزراعية التي يعيش الفلاحون البسطاء علي محاصيلها، “الكاباري” على بساطته التقنية يعود للواجهة كمطلب من القرويين للحماية من خطر الفيضانات.
يجيب أحد الفلاحين بحسرة على فقدان 5 حقول كان يزرعها كل موسم فلاحي بالمحراث الخشبي قمحا، يستفيد منها طيلة العام كمؤونة، إلا أن غياب “الكاباري” عن حدود قريته مع الوادي الكبير الحجم، وتلف ما كانت المرحلة الاستعمارية تركته من “الكاباريات”، تسببت له في خسارة يقول عنها الشيخ الستيني إنها قاسية عليه، في غياب أي معيل له.
الوصول إلى شاطئ قوس قزح، وتناول وجبة غذاء من سمك السردين المشوي، وفق الطقوس المحلية، والساعة تقترب من الثالثة عصرا في يوم ربيعي مشمس، لا تنسي معانات الطريق الخطيرة جدا بين قمم جبال الريف، وشكاوى السكان المحليين من الفلاحين الراغبين في “الكاباري” للوقاية من فيضانات الأودية.
بالرغم من مرور سنوات على دخول المغرب مسلسل المصالحة السياسية وفق ميكانيزمات العدالة الانتقالية إلا أن قرى بكاملها في الريف المغربي لا تزال على حالها، غبار الماضي يتناثر عليها، والطريق لا تزال كما تركها الاستعمار الإسباني، وعائلات شاركت في حروب الاستقلال لا يعترف بها أحد، وعائلات فقدت أولادها في مغامرات قوارب الموت عبر المتوسطي، تبكي فلذات كبدها، ومعيلو أسر من رجال يعجزون عن تلبية كامل حاجيات العائلة في السوق الأسبوعي، وسكان قبية اسمها بني بوفراح ينتظرون معجزة تمكنهم من بناء قنطرة توصلهم للسوق الأسبوعي الخميس، ونسوة ينتظرن دارا للولادة لتجنب فواجع موت نسوة يلدن خارج أي ضمانات طبية.
أحاديث شباب قضى 10 سنوات من البطالة في المنطقة لا تزال تنسج على نفس المنوال، واليأس تحول إلى جدار للممانعة، ونشرات الثامنة والنصف على القناة الأولى المغربية تثير تعليقات قاسية ورافضة لأن التنمية بالنسبة لهم لم يتم تنزيلها على أرض الواقع