كود الرباط//

فجأة، ودون سابق إنذار، تحوّل التلفزيون الجزائري الرسمي إلى منصة للهجوم العنيف على دولة الإمارات العربية المتحدة. حيث خصص نشراته للهجوم على ما وصفه ب “الدويلة المصطنعة”، ويتّهم أبوظبي بالتحريض الإعلامي، والطعن في هوية الشعب الجزائري، وزعزعة ثوابته. لكن الحقيقة التي يتفاداها الإعلام الرسمي الجزائري، هي أن هذا التصعيد لم يأتِ من فراغ، بل هو امتداد لتوتر قديم، ومحاولة يائسة للرد على مواقف إماراتية لم تعجب الجنرالات في المرادية.

الهجوم على الإماراتيات ظاهريا كان بسبب مرور مؤرخ جزائري في قناة “سكاي نيوز عربية”، قال رأيا حول الأمازيغية، أغضب النظام، فاعتبره مسا بالهوية الوطنية. لكن من الواضح أن الأسباب الحقيقية هي سياسية بامتياز، وتتعلق أساسًا بالموقف الإماراتي الواضح في ملف الصحراء المغربية، ثم الأدوار الإقليمية المتنامية لأبوظبي خصوصا في ليبيا، والتي أخرجت النظام الجزائري من دائرة التأثير.

الإمارات من أوائل الدول التي فتحت قنصلية في مدينة العيون بالصحراء المغربية، في خطوة ديبلوماسية جريئة دعمت بها مغربية الصحراء علنًا، ووقفت فيها إلى جانب الرباط دون مواربة. ومنذ ذلك الحين، والعلاقات بين الجزائر وأبوظبي في فتور ظاهر. الإعلام الجزائري هاجم الإمارات سابقًا عبر صحف مقربة من السلطة، لكن هذه أول مرة يخرج فيها التلفزيون الرسمي، الذي يعكس الموقف الرسمي للدولة، بهذا الشكل العدواني.

لكن الإمارات، التي يصفها إعلام العسكر بـ”الدويلة”، ليست كيانا صغيرا كما يحاول الخطاب الشعبوي الجزائري تصويرها. بل هي قوة اقتصادية إقليمية كبرى، تتفوق على الجزائر في مؤشرات متعددة، من الناتج الداخلي الخام إلى الاستثمارات الخارجية والاحتياطات المالية. الإمارات دولة ذات نفوذ، تبني تحالفات صلبة، وتدير مصالحها بهدوء ودقة، دون الحاجة إلى رفع الشعارات الثورية القديمة.

وليس صدفة أن الإمارات أصبحت حليفة للمغرب، تنسّق معه في ملفات كبرى، من بينها ملف الصحراء، والاستثمار في إفريقيا، والدعم الإنساني في غزة، وحتى الموقف من تونس، حيث تحاول أبوظبي تخليصها من الهيمنة الجزائرية المتزايدة. الإمارات تعتمد أسلوب التجاهل الذكي مع استفزازات الجزائر، تمامًا كما يفعل المغرب، وتترك للواقع أن يفضح شعارات العسكر.

وتجدر الاشارة إلى أن الإمارات اليوم لاعب أساسي في الساحل الإفريقي، تدعم قوات حفتر في ليبيا، وتساهم في دعم الاستقرار في عدد من الدول الإفريقية، بينما لا تملك الجزائر أي تأثير يُذكر خارج حدودها. الإمارات أيضًا من أبرز الداعمين لمسار التطبيع العربي مع إسرائيل، وتدير علاقتها مع تل أبيب وفق ما تراه يخدم مصالحها، دون أن تعطي دروسًا لأحد، أو تطلق التهم المجانية.

اليوم كاين ارتباك لدولة الجزائر أمام فقدان التأثير، أمام مسار سياسي مغربي إماراتي يحقق مكاسب على الأرض، بينما لا تملك الجزائر سوى الرد عبر التلفزيون الرسمي، وتكرار الأسطوانة المعروفة: “الثورة، بلد مليون شهيد”.