كود الرباط//

قال عبد اللطيف بروحو، الخبير في الشأن المالي والاقتصادي (برلماني سابق)، إن الأثر الاقتصادي والاجتماعي للزيادة في ثمن قنينة الغاز سيكون إيجابيا بشكل واضح إذا ما تمت إعادة تخصيصه للدعم المباشر وللحماية الاجتماعية للأسر.

وأضاف بروحو، في حوار مع “كود”، أن الأثر النفسي لهذه الزيادة يعتبر أكثر أهمية من الأثر المادي الصرف على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة وأننا نعلم أن المستفيد الأول من الدعم هو القطاعات الربحية وليس الأسر الفقيرة أو المتوسطة.

وأكد بروحو، في حوار “حفيف ظريف” مع “كود”، أن حذف دعم قنينات الغاز وتوجيه الاعتمادات المالية لدعم الأسر وللاستثمار العمومي يعتبر أحد التحديات الرئيسية التي كانت تواجهها الحكومة الحالية، خاصة وأن مختلف فئات المواطنين لم يكن يصلها إلا 15% من أموال الدعم، في حين تستفيد الشركات والمؤسسات الإنتاجية والقطاعات الاستهلاكية الأخرى من أزيد من 85% من دعم غاز البوتان، وهذا يعني حسابيا أنه خلال ثلاثة عشر سنة الأخيرة أنفقت الدولة أزيد من 250 مليار درهم، واستفاد المواطنين منها بأقل من 40 مليار درهم في حين استفادت الشركات والقطاعات الإنتاجية والاستهلاكية والضيعات الفلاحية الكبرى من 210 مليار درهم.

وأضاف: “إذا كنا في السابق غير قادرين على مراقبة طرق صرف أموال صندوق المقاصة، مقابل العجز عن ضمان وصول هذا الدعم للفئات التي تستحقه عبر هذا النظام، فإننا الآن ندرك بوضوح أن الرهان الأساسي أصبح يكمن في محاربة ووقف نزيف المالية العمومية وتوجيه جزء كبير من نفقات الدولة لحل الإشكالات الاجتماعية التي عانى منها المغرب على مدى عدة عقود، وتحقيق أكبر قدر من العدالة والإنصاف في تدبير المالية العمومية”.

وإليكم نص الحوار:

“كود”: هل الزيادة في ثمن البوطا سلبي أم إيجابي؟

بروحو:

في الحقيقة لا يمكن القول بكل بساطة أن هذا الإجراء سلبي أو إيجابي، لأن الموضوع مرتبط بجوانب أخرى تتعلق بالمستفيد الحقيقي من الدعم الموجه للغاز من صندوق المقاصة، وبالمجالات المستهدفة من خلال الدعم الاجتماعي والاستثمار العمومي.

لأن الرؤية الشمولية يجب أن تكون حاكمة على هذا المستوى، لأن الاعتمادات التي كانت تصرف سنويا من صندوق المقاصة لم تكن موجهة بشكل أساسي للطبقة الفقيرة أو المتوسطة، وإنما كان الإشكال منذ أزيد من عشرين سنة يرتبط بالمستفيدين الحقيقيين من هذا الدعم.

يعتبر إصلاح صندوق المقاصة من أهم الأوراش الكبرى التي نجحت الدولة من خلاله في إعادة النظر جذريا في طرق تدبيرها للمالية العمومية، فبعدما كان هذا الصندوق أخطر ما يهدد مالية الدولة بالإفلاس منذ سنة 2009، استطاعت حكومة بنكيران في إصلاحه بمنهجية تدريجية، وقد ساهمت في إنجاحها الوضعية الدولية لأسعار النفط الخام التي لم تكن تتعدى في السنوات الأولى لإصلاح المقاصة 35 دولار للبرميل..

وكان المغرب قد أنفق خلال ست سنوات فقط من 2006 إلى 2011 ما مجموعه 200 مليار درهم، وهو ما كان يمثل حينها تضييعا لاعتمادات مالية هائلة كانت ستوجه لمجالات أكثر نفعا للمواطنين.

وهو نفس الإشكال الذي أثير خلال السنوات الأخيرة حيث صرفت الدولة أيضا خلال ست سنوات ما يفوق 100 مليار درهم على دعم الغاز، في الوقت الذي كانت تجد صعوبة في ضمان توازن مالية الدولة ورفع مخصصات الدعم الاجتماعي المباشر.

لذا فإن الأثر الاقتصادي والاجتماعي للزيادة في ثمن قنينة الغاز سيكون إيجابيا بشكل واضح إذا ما تمت إعادة تخصيصه للدعم المباشر وللحماية الاجتماعية للأسر.

في حين أن الأثر النفسي لهذه الزيادة تعتبر أكثر أهمية من الأثر المادي الصرف على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة وأننا نعلم أن المستفيد الأول من الدعم هو القطاعات الربحية وليس الأسر الفقيرة أو المتوسطة.

“كود”: هل تقصد أن الأثر النفسي للزيادة في ثمن البوطا أكبر وقعا من الزيادة نفسها؟

بروحو:

هذا بالضبط ما أقصده، لأن الزيادة التدريجية بعشرة دراهم سنويا لن تمثل ضغطا كبيرا على ميزانية الأسر مقارنة بحجم ونسب التضخم التي فاقت بكثير الوقع المادي للزيادة في ثمن قنينة الغاز.

وهنا نستحضر أيضا التأثير النفسي الكبير “لحالة التضخم”، والذي أدى للزيادة في المستوى العام للأسعار بمختلف أنواعها رغم أن التلمود التي تضررت من التضخم المستورد محدودة، إلا أن نزوع جميع الفئات والقطاعات للزيادة في الأسعار كان ناتجا بدوره عن أثر نفسي أدى للزيادة العامة في أسعار جميع المنتجات والمواد والخدمات. وما شهده المغرب من زيادات في أسعار المواد الأساسية والحيوية كان أكبر بكثير من الأثر المادي للزيادة في قنينات الغاز.

غير أن أية زيادة كيفما كانت قليلة إلا أن تأثيرها النفسي يكون سلبيا على المزاج العام، وهذا طبيعي. مما يستدعي مجهودا تواصليا مضاعفا لشرح أهدافه وغاياته وتأثيراته الحقيقية على الفئات الاجتماعية وعلى القطاعات الاقتصادية.

“كود” هل جازفت حكومة أخنوش بتقليص الدعم في هذا المجال الحساس المرتبط بثمن البوطا؟

بروحو:

أعتقد أن الحذف التدريجي للدعم الموجه لغاز البوتان كان متوقعا ومنتظرا منذ إقرار الدعم المباشر للأسر، وهما أمران كانا مرتبطين منذ سنوات. ومنطقيا لم يكن ممكنا الاستمرار في دعم غاز البوتان وإرهاق مالية الدولة بنفقات المقاصة في الوقت الذي تحتاج فيه لترشيد الإنفاق العام لإعادة توجيهه للفئات المستفيدة من الدعم المباشر، وإلا فإننا كنا سنصل لمرحلة تشكل مخاطر حقيقية على الملاءة المالية للدولة.

وحتى الحكومات السابقة كانت مدركة لخطورة الوضع المالي ولنزيف ميزانية الدولة ومقتنعة باستعجالية إصلاح نظام المقاصة للحفاظ على المال العام وتوجيهه للاستثمار العمومي ودعم الطبقات الهشة، وهو ما دفع حكومة الأستاذ بنكيران للحذف التدريجي لدعم المحروقات، وكانت المرحلة الموالية تقتضي المرور نحو الحذف التدريجي لدعم البوتان.

ويمكن القول هنا أن حذف دعم قنينات الغاز وتوجيه الاعتمادات المالية لدعم الأسر وللاستثمار العمومي يعتبر أحد التحديات الرئيسية التي كانت تواجهها الحكومة الحالية، خاصة وأن مختلف فئات المواطنين لم يكن يصلها إلا 15% من أموال الدعم، في حين تستفيد الشركات والمؤسسات الإنتاجية والقطاعات الاستهلاكية الأخرى من أزيد من 85% من دعم غاز البوتان، وهذا يعني حسابيا أنه خلال ثلاثة عشر سنة الأخيرة أنفقت الدولة أزيد من 250 مليار درهم، واستفاد المواطنين منها بأقل من 40 مليار درهم في حين استفادت الشركات والقطاعات الإنتاجية والاستهلاكية والضيعات الفلاحية الكبرى من 210 مليار درهم.

وإذا كنا في السابق غير قادرين على مراقبة طرق صرف أموال صندوق المقاصة، مقابل العجز عن ضمان وصول هذا الدعم للفئات التي تستحقه عبر هذا النظام، فإننا الآن ندرك بوضوح أن الرهان الأساسي أصبح يكمن في محاربة ووقف نزيف المالية العمومية وتوجيه جزء كبير من نفقات الدولة لحل الإشكالات الاجتماعية التي عانى منها المغرب على مدى عدة عقود، وتحقيق أكبر قدر من العدالة والإنصاف في تدبير المالية العمومية.