اليوم هناك حقيقة مفادها أن الشعوب تريد التغيير.. حقيقة  أن الانتفاضات لا تصنع إلا بسواعد أهل البلدان التي غابت في بطن الدكتاتوريات لمدة طويلة.

الرأي العالمي اليوم،  وعلى رأسه  الدول الغربية ذات المصالح التي لا غبار عليها، يدرك أن كلفة الدكتاتوريات أكبر بكثير من كلفة الديموقراطية، وأن الزمن تغير ولابد من رفع اليد.

«لامان  لوفي» بلغة أهل  القروض ، والتي تسمح بسقوط مريع للحكام المطلقين والفرديين.
لقد تبين أن الذي يسقط ليس هو البلاد، التي يكتشف الحاكم في النهاية أنها مهددة بالغرب وأن لها سيادة، سيادة القبول به وبطيشه وبعائلته، بل ما هو مهدد هو في الواقع الحكم الفردي والدكتاتوري المقنع أو الواضح.

إن الأشياء الأساسية التي جاءت بها الثورات الكبرى هي إسقاط العديد من الأكاذيب التي تحولت إلى مسلمات في مصر وفي تونس وفي ليبيا.
إن إسقاط شرط التعددية والديمومقراطية الفعلية باسم نظرة اقتصادوية مبنية على تقنيين سياسيين أحيانا، أو باسم محاربة التطرف والمشاريع الماضوية أحيانا أخرى، انتهى إلى حكم عائلي وعشائري  بأقنعة متعددة لا تقنع أحدا.

كما سقطت تلك المسلمة التي جعلت من وجود حزب مهيمن تتحلق حوله الأحزاب الأخرى، والقائم على استدراج  المجتمع السياسي في تونس وفي مصر،  أساسا للتسليم  بوجوده الضروري كمركز  للحياة الوطنية.

وقد تبين أن المجتمع المصري والتونسي تطورا فعلا بعيدا عن هذه الخطاطات، وأن المشاريع الديموقراطية أصبحت حقيقة في غفلة من صناع الأسطورة النظامية.

وسقطت الرؤية التي ترى أن الاحتمال الوحيد للديموقراطية هو انتصار المحافظين وأن زحفهم لا يمكن بأي حال أن يوقفه الشارع في الدول المعنية …
والحال أن الطاقات التي أفرزها المجتمع ضمت مطالب موحدة حول الديموقراطية ورفض كل المشتقات الصغرى أو الكبرى للفساد والدكتاتورية. ورفض التنفيذ الأعمى لأي بديل إصلاحي ديموقراطي عميق.

إن هذه التحولات  ما   لها أن تمر بدون أن تسترعي العالم الخارجي وتثير انتباهه.

ولطالما ربطت الدول الأجنبية بين الدعم المالي والاقتصادي والديبلوماسي والشروع في إصلاحات ديموقراطية متقدمة تمكن من إقناع رأيها العام.
وفي الكثير من الأحيان كان ذلك يتم بتوافقات بين الدولة أو الأنظمة المعنية وبين الدول الأجنبية.

وقد تغيرت الظروف اليوم، وأصبحت الدول الغربية تطرح شبكات لتطوير الديموقراطية، ومنها ما عرف بالشرق الأوسط الكبير. وكان الهدف منها خلق نموذج لتطور تدريجي.

وبالرغم من الرفض المبدئي لذلك، فقد كان واضحا أن الأنظمة التي تقبل كل شيء من الغرب وأمريكا وأوروبا تحديدا، لا تقبل  أن تدخل في تفاوض حول الشرعية الديموقراطية أو حول التعددية.

واليوم لا يمكن لأي عاقل أن يغيب العنصر الخارجي من الحساب، بل إن الدول التي تحتاج إلى دعم هذا الخارج في قضاياها الحساسة، مطالبة أكثر باستحضار ذلك في دعم مواقفها وآفاقها..

ففي الكثير من المواقف كان يؤكد على أن الثورات اليوم تستدعي من الخارج مواقف مساندة ودعم، ولأن الصوت القادم من الخارج يكون أقوى، فإنه أصبح معطى لا يمكن القفز عليه.

فقد يغير الهاتف  الأحمر ما لم يغيره الحاكم طيلة عقود من الزمن.
هذه حقيقة لا مناص منها.