حميد زيد – حميد//

كان رمضان مع النسخة الأولى من محمد الفايد أجمل.

كان يفترض فيه أن يصوم الجميع حسب الفايد الأول لأنه شهر معجزة.

الحامل تصوم.

مريض السكري يصوم.

مريض فقر الدم يصوم.

الحجر يصوم.

الكافر يصوم.

اليهودي. المسيحي. البوذي. الشيوعي. اللا شيء. يصوم.

الجن يصوم.

القط يصوم.

الفضائي يصوم.

الميت يصوم.

كان هذا الفايد صراحة ممتعا.

كان ملحمة تتحرك في الشهر الفضيل.

كان عجائبيا.

ولا يهمه عقل. ولا علم. ولا حياة. ولا منطق. ولا صحة.

كان أروع مسلسل رمضاني.

وأنجح عمل إبداعي.

وكنا نمضي معه أحلى رمضاناتنا.

وحين كنا نصاب بالإحباط من السيتكومات كما عادتنا.

كنا نلجأ إلى محمد الفايد.

و إلى أعشابه.

وإلى تدينه.

و إلى وصفاته.

وإلى روحانياته.

كان مسلسلا بديلا.

كان ممثلا كبيرا في كل حالاته.

فنتسلى. وتمر أيام رمضان دون أن نشعر بالجوع. أو بالضجر.

وقد كان الفايد في نسخته الأولى عالما في موقع هوية بريس. وعند صحافة العدالة والتنمية.

وكانوا يستشيرونه في أي شيء.

قبل أن يصبح بالنسبة إليهم مجرد عشاب.

ومشعوذ.

ودجال.

ومنتحل صفة.

كانوا يأخذونه على محمل الجد. ويعتمدون عليه. ويؤمنون بعلاجاته.

و بإلمامه بكل شيء.

و بموسوعيته.

وبتحديه للطب الحديث.

ولبني علمان.

قبل أن ينقلبوا عليه حين انقلب على نفسه.

أما حين صار محمد الفايد تنويريا. وعقلانيا. و مشككا.

ثائرا على على نفسه.

وعلى السنة.

محتفظا بالقرآن فقط.

ظاهرا في الصور رفقة أحمد عصيد. ورشيد أيلال.

أما حين ظهر الفايد الثاني.

فإنه خذل كل محبيه وخصومه على حد سواء.

ولم يعد السلفي والإسلامي والإخواني يطمئنون إليه.

ولم يعودوا معجبين به.

بعد أن أصبح يشكك في السنة.

ولم يعد الحداثي بدوره يجد فيه ذلك النقيض.

الذي يظل يحاربه كلما حل رمضان إلى غاية العيد.

ولما تعود الحياة.

و تعود المشروبات.

و تعود الساعة الإضافية.

يعود معها كل شخص إلى ما كان منشغلا به في السابق.

فيختفي الفايد.

ويذهب هو الآخر إلى حياته الطبيعية وانشغالاته ومشاريعه.

إلى أن يظهر من جديد في رمضان آخر مع دنيا بوطازوت.

ومع الحشوة.

ومع كل الذي يظهرون في هذا الشهر.

لذلك ومهما اختلفنا مع محمد الفايد

فإننا نشعر بحنين إلى الفايد الأول

وإلى خطابه

وإلى نظرته إلى الحياة و إلى الطب وإلى الأدوية

وإلى البكتيريا الصديقة.

تاركا هذا المجال وهذا التخصص فارغين

دون أن يستطع أحد أن يملأ الفراغ الذي تركه أو أن يعوض عالما ودكتورا من حجمه.

ودون أن يتمكن الفايد الثاني من تعويض الأول.

بعد أن فقد بريقه وألقه وجاذبيته.

ويا لها من خسارة للصف الديمقراطي الحداثي

أن يصبح الفايد منهم

بعد أن لعب لعقود مع خصومهم

وربح منهم

وكسب قلوب جماهيرهم الغفيرة

وتشجيعات نسائهم.

وملأ بطونهن بالكروية والسانوج.

معالجا كل أمراضهن.

قبل أن يلتحق في آخر مشواره بالحداثيين والمتنورين الذين كانوا يهاجمونه ويفضحونه.

ليكتشفوا أن الفايد الأول

كان أنفع لهم

من الفايد الثاني

وأن رمضان معه كان أجمل وأحلى وأكثر إثارة من رمضان مع النسخة الثانية منه.

وسوف يأتي يوم يكتشف فيه الفايد الثاني نفسه

أنه هو الآخر

فرط في نسخته الأولى

والتي لم يعد من الممكن أبدا استرجاعها

ولا استرجاع رمضان

الذي كان يعالج فيه كل الأمراض

وكان الكل فيه يصوم

والكل سعيد

والكل يتعارك

والكل يدلي بدلوه

ولا أحد يشعر بالضجر.

ولا بالجوع.

ولا بالعطش.

ولا أحد يشعر بأن لا شيء يحدث في رمضان.