كم كان الوزير بسيطا في تفكيره عندما اعتبر “المحافظة” في تشكيل الحكومة أمرا مردودا عليه، واعتبر بالمقابل بأن المطلوب هو محاسبة الحكومة الجديدة عن برنامجها!. وإذا كان العذر أقبح من الزلة، فإن زلة الوزير ترتبط بفهمه الميكانيكي للتركيبة الحكومية إذ بموجب منطقه فإن غياب المرأة عن التشكيلة الجديدة للحكومة لا يطرح أي مشكل، ولا يستدعي أي نقد. 
 
والحال أن صدمة الرأي العام الوطني، والمنظمات النسائية والحقوقية، ومجموع القوى التقدمية بالبلاد كانت صدمة كبيرة بعد الإعلان عن حكومة بنكيران التي خصصت بالكاد مقعدا واحدا ووحيدا -محفظا على ما يبدو للمرأة- أُسند هذه المرة للسيدة الحقاوي، العضوة القيادية في حزب العدالة والتنمية. وبهذا يكون العنوان العريض “للتركيبة الرباعية” للحكومة الجديدة لدستور ما بعد الفاتح من يوليوز هو التراجع المدوي عن مكتسبات ما قبل الدستور الجديد فيما يتعلق بالتمثيلية النسائية، إذ كانت الحكومة المنقضية ولايتها تضم في تركيبتها الأولى سبع نساء (ربع حكومة عباس الفاسي) وهن (ثريا جبران – لطيفة اخرباش – نوال المتوكل – ياسمينة بادو – أمينة بنخضرة – نزهة الصقلي – لطيفة العابدة).
وفي الوقت الذي كان فيه الرأي العام والمتتبعون يتطلعون لترجمة مضامين الفصل 19 من الدستور الجديد إقرارا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية كما تقتضيه الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وإعمالا للمناصفة التي يصرح بها الفصل المذكور، تراجعت حكومة بنكيران عن المكتسبات التي تحققت في التجارب الحكومية السابقة، وتم إخراج حكومة ذكورية بالكامل تقريبا. في فهم خاص للحكامة التمثيلية ولمنظومة مقاربة النوع ولأسس الديمقراطية التمثيلية. وهو ما يدفعنا للتساؤل بخصوص هذه الواقعة: هل يتعلق الأمر بموقف مسبق من تمثيلية النساء في حكومة أدار هندستها إسلاميو البيجيدي بتوافق مع الأطراف المشكلة للتحالف الحكومي، أم أن الأمر محصلة كيميائية لضعف المؤسسات الحزبية التي لم تستطع مواردها البشرية ضمان تمثيلية النساء في الحكومة الجديدة؟. 
 
وسواء تعلق الأمر بموقف محافظ يسكن في اللاشعور السياسي لمهندسي الحكومة الذين تحكموا في توليفتها النهائية وفق تمثلاتهم ومصالحهم الحزبية، أو بترجمة عملية لضعف الثقافة المؤسساتية لدى الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، فهما أمران سيان. إذ كان من المفروض على بلادنا التي أسقطت تحفظاتها بشأن كافة أشكال التمييز ضد النساء، والتي تحظى بموقع “الوضع المتقدم” Le statut avancé في علاقتها بالاتحاد الأوربي، وتعلن في تصدير الدستور بأنها تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية، كان عليها أن تقيم الاعتبار لكل هذه المعطيات في إخراج حكومة تسند للنساء مناصب في تدبير القطاعات الحكومية.
 
وإننا، والحالة هاته، نميل إلى الافتراض بأن مهندسي هذه الحكومة غلبوا في اختياراتهم المنطق المحافظ واستسلموا لمنطق “الوزيعة” بدليل أنه طيلة فترة المشاورات الحكومية لم تطلع علينا أسماء نسائية مرشحة للتباري على المناصب الحكومية (باستثناء اسم أو اسمين) وهو ما أكدته التركيبة النهائية لحكومة بنكيران. كما أننا نعضد قولنا بالميثاق الحكومي نفسه الذي وقعته الأحزاب المشكلة للحكومة، وهو الميثاق الذي أسقط من تصدير الدستور الفقرة التي تقول بأنه “إدراكا منها (المملكة) لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا”.
 
إننا، إزاء هذا المشهد الحكومي الجائر، لا يسعنا إلا أن نسجل بأن اختبار السيد بنكيران في صناعة هندسة حكومية متوازنة ومقنعة قد أخفق إخفاقا مزعجا على مستوى ضمان تمثيلية منصفة للنساء في الحكومة. وهو ما سيضيع على بلادنا –مع الأسف- نقطا في سلم التمثيلية الديمقراطية، في زمن تقاس به الديمقراطيات الكونية بمشاركة النساء في صناعة القرار العمومي في مختلف المؤسسات التمثيلية والتنفيذية. ناهيك عن كون هذه المشاركة أصبحت شرطا في الألفية الثالثة لتحقيق التنمية، حيث إن إقصاء النساء من دوائر القرار العمومي يعني عمليا حرمان المجتمع من حظوظ التساوي الاجتماعي، وبالنتيجة حرمانه من حظوظ التنمية المنشودة. 
 
وحري بالذكر أن السياق الذي جاءت فيه الانتخابات التشريعية المبكرة أفضى إلى تمكين النساء، وفق الآلية الانتخابية المعتمدة من 60 مقعدا نيابيا، وهو ما يعد مكسبا في المرحلة الراهنة. غير أن إخراج الحكومة بصيغتها الحالية لم يكن متطابقا مع هذا الواقع. بما يعني، بصيغة أخرى، أن هناك لا توازنا في منظومة التمثيلية التشريعية في علاقتها بمنظومة التمثيلية في المؤسسة التنفيذية. وفوق هذا وذاك، فإن التشكيلة الحكومية جاءت خارج منطق الدستور وفلسفته على مستوى أجرأة الفصل 19 منه.