زينة الرباطي – كود///

الحزب الجمهوري الأمريكي الذي يمثله دونالد ترامب في الانتخابية الرئاسية 2020 يحمل المرجعية المسيحية المحافظة، مناصروه يرفضون تقنين المثلية الجنسية، يرفض الإجهاض، يرفضون اللباس الفاضح كما كانوا يصفون فساتين ميشيل أوباما عارية الكتفين، متمسكون بالمسيحية ومنهم طوائف متطرفة كالإفانجيليين، ويعتبرون المتدينين بغير المسيحية مغضوب عليهم وضالين، متمسكون بالقومية الأمريكية وبالعرق الأبيض منهم متطرفون نازيون، ينفرون من السود والمهاجرين والثقافة القادمة من الخارج، باعتبارها حسبهم تهديدا للخصوصية الأمريكية المسيحية.

هم مرآة لمحافظي باقي الديانات، هم مرآة لمحافظي الديانة الإسلامية الذين يرفضون المثلية والإجهاض والجنس خارج إطار الزواج وباقي الحريات، ويعتبرون المتدينين بغير الدين الإسلامي مغضوب عليهم وضالين وكالأنعام أو أضل وكالحمار يحمل أسفارا، يبجلون العرق العربي لأن القرآن بلسان عربي والنبي عربي والله حسب اعتقادهم سيكلم الناس يوم القيامة بالعربية، ويعتبرون الثقافات الخارجية تهديدا لخصوصيتهم.
كذلك اليهود الأرثودوكس الذين يعيشون كمجتمعات منعزلة داخل بلدانهم بقبعاتهم ونسائهم المحجبات، والذين أقاموا دولة دينية إسرائيلية للحكم بالتلمود على أساس أنهم أفضل البشرية وشعب الله المختار وتلك الأرض الموعودة، يعتبرون المتدينين بغير دينهم ضالين وكل من يعيق تواجدهم على تلك الأرض عدوا. (ولنا عودة في هذا الموضوع)

كذلك المحافظون البوذيين الذين يقاتلون المسلمين في بورما باعتبار بلدهم بلد بوذي خالص.. والمحافظون في كل ديانة، ترفض باقي الديانات وتعتبرها ضلالا.

ولهذا ترامب يكره المسلمين والمهاجرين، ولا يقبل تواجدهم في أمريكا برموزهم الدينية، كما لا يتعامل مع قيادات البلدان العربية الإسلامية هو وباقي قيادات الحزب الجمهوري التي توالت على البيت الأبيض.. إلا بمقابل مادي، المال مقابل حماية السعودية والإمارات عسكريا من إيران، المال مقابل الزيارات الديبلوماسية، المال مقابل المصافحة.. بلدان المنطقة من المحيط إلى الخليج بالنسبة لهم بقع جغرافية من التخلف ومناجم موارد طبيعية وأسواق يجب اجتياحها ديبلوماسيا أو بالحرب. كما فعل جورج بوش بالعراق.

هؤلاء هم المحافظون الأمريكان الذين يمثلهم ترامب، كذلك المحافظون اليساريون في فرنسا الذين تمثلهم ماري لوبين، والإخوان في تركيا الذين يمثلهم أردوغان والذي يحاول تحويل دولته من الدولة العلمانية التي يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون كما بناها أتاتورك إلى الدولة الإسلامية بالاستيلاء على المعالم التاريخية كإآية صوفيا وتحويلها لمساجد، هؤلاء هم المحافظون في كل مكان في العالم، يعتبرون الآخر ضالا، يرفضونه باعتبارات دينية عقائدية، لولا فصل الدين عن السياسية في أوروبا لاستمرت الحروب الصليبية ولكانوا يعاملون المسلمين بإجبارهم على دفع الجزية وهم صاغرين. هم مرآة للمسلمين حين كانوا في قوتهم يمارسون على العالم الفتوحات باسم الدين وباسم الله وباسم الدعوة يقتلون ويسبون النساء.

في المقابل، فإن الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي يمثله جو بايدن: هو حزب بمرجعية تقدمية حداثية، يدعو إلى قبول الحريات الفردية، إلى قبول كل الأعراق والأجناس والديانات والمعتقدات وضمان حق الأفراد الحرية الكاملة لممارستها، وحق الشعوب في اختيار من يمثلهم بشكل ديمقراطي. وهم بذلك ليسوا أعداء للمسلمين، ولا للمسيحيين ولا لليهود ولا للبوذيين. بل قد كانت أجندة هيلاري كلينتون كما تسربت من بعض مراسلاتها قبل 2011 دعم شعوب الشرق الأوسط إلى الثورة على الديكتاتوريات التي تحكمها، بتقوية جميع الأطياف المجتمعية منها دعم اليسار ودعم الإخوان المسلمين وضمان انتخابات نزيهة صعد على إثرها الإخوان بعد ثورات الربيع العربي. غير أن عصبية شعوب المنطقة وتطرفها وانقسامها الطائفي بين سنة وشيعة ودرز وعلويين وكرد أدى إلى ما لا يحمد عقباه في سوريا وفي اليمن وفي عدد من البلدان في عهد هيلاري وباراك أوباما.

كذلك صعد في إسرائيل جيل من الشباب الحداثي التقدمي يرفض قيام دولة على أساس الدين اليهودي، يطالب بفصل الدين عن الدولة وبالحكم بدستور ديمقراطي لا علاقة له بتعاليم التلمود، يدافع على حق الفلسطينيين في دولتهم، وبقبول الآخر بكل تجلياته واختلافه. كذلك حداثيو الدول الإسلامية الذين يطالبون بفصل الدين عن الدولة وعن القوانين الجنائية واحترام الحريات الفردية وحق المواطنين في اختيار معتقداتهم وممارستها بكل حرية.
ففي كل الأديان والبلدان تجد الذين يتبنون المرجعية الحداثية التقدمية يرحبون بالمهاجرين وبالعرب والمسلمين والسود واليهود للتعايش كمواطنين بحقوق ومساواة كاملة تحت حماية الدستور والقانون.

فهل يفضل المسلمون رئيسا مثلهم، متدينا (بالمسيحية) محافظا يرفض المثلية والإجهاض والحريات الفردية ويرفضهم ويكرههم ويعتبرهم ضالين… مثلهم: كما يعتبرون هم غير المسلمين الذين لا يومنون بالدين الإسلامي في جهنم خالدين يجب هدايتهم؟
أم يفضل المسلمون رئيسا حداثيا علمانيا يومن بالحريات الفردية وحرية المعتقد يحترمهم باختلافهم يرحب بهم في أمريكا كمهاجرين ويضمن لهم كل حقوقهم كمواطنين؟
طبعا يفضلون الثاني، بما أنهم  كمهاجرين عند مركيل وعند ماكرون وفي جميع أنحاء العالم يطالبون الجميع بالانفتاح وبالعلمانية وبقبول الاختلاف.

ألا يجدر بالمسلمين أن يتغيروا هم أنفسهم ويقبلوا الآخر وربما يقبلوا التصويت على برلماني مسيحي أو يهودي في بلدانهم، قبل أن يطالبوا هم الأجانب بقبولهم واحترتامهم، وبالتصويت على المسلمين لولوج الكونكريس الأمريكي؟
حان الوقت لبلدان من المحيط إلى الخليج، علمانية مدنية تفصل الدين عن السلطة والسياسة والحكم، وتضمن لكل المواطنين حرياتهم الفردية والدينية الكاملة.