"الغليض, باطوز, خبزاوي, دبر على راسو, كيقلب غير على الصرف, بايع الماتش, عمتو هي ميلودة ديال البام, مغني كوميديا وستوديو دوزيم…" وقس على ذلك لائحة طويلة صدرت عن أناس كانوا حتى الأمس القريب من كبار عشاق البيغ وأغانيه التي تتغنى بالواقع المغربي المعيش دون رتوشات كاذبة, ودون استعمال لغة منافقة مثل اللغة التي يستعملها التلفزيون, بل باللجوء إلى لغة الشارع العارية, التي لا تتردد في استعمال أكثر المصطلحات جرأة وشجاعة.

لنتفق على بعض البديهيات أولا. اختزال البيغ لحركة 20 فبراير في "4 ديال البراهش كياكلو رمضان لعب, ورباعة ديال اللحايا باغية تكفر الشعب", هو اختزال معيب للغاية, وهو دليل على أن البيغ لم ينزل إلى الشارع هذه المرة لكي يعرف بم يتعلق الأمر مثلما دأب على القيام بذلك كل مرة قبل أن يغني حول موضوع ما. وأتذكر هنا أننا كتبنا عن حضور البيغ لمؤتمر من مؤتمرات الأصالة والمعاصرة ذات مرة, وقلنا إن اصطفاف الفنان _ خصوصا حين يكون ذا قاعدة جماهيرية واسعة _ مع حزب سياسي دون بقية الأحزاب يمس بمكانته عند الناس, لأنه يصبح حينها ملكا لبعض الناس فقط المنتمين لذلك الحزب.

حينها أتذكر أن البيغ أجابني عبر رسالة إلكترونية يقول فيها إنه "لم ينضم للبام ولا علاقة له به وأنه ذهب إلى مؤتمره لكي يرى بعينه ماهو هذا الحزب الذي خلق كل هذه الضجة في البلد, لأنه يصر على ألا يغني عن موضوع إلا إذا كان مطلعا على خباياه كلها". أكبرت المسألة في المغني وقلت "هاهو شي واحد كيفهم فالمشهد الفني المغربي ومتبع وكيعرف معنى متابعة كل شيء". هذه المرة لم يفعلها البيغ, لم يطلع على مايقع في الشارع فعلا لذلك بنى أغنيته على مايصله من كلام عن "براهش" الحركة وعن "العدليين " الذين يتحكمون فيها, وأسس أغنيته الجديدة على كل ماسمعه فقط.

غير أن كل هذا لايعني حرمان البيغ من التعبير عن رأيه, أو عدم قبول الأغنية منه, فهو في البداية وفي النهاية "رابر" قال ماأراد قوله في أغنيته التي نزلت إلى "الفانز" أو جمهوره الذي سيقبلها أو سيرفضها, لكن مايحسب للبيغ هو أنه اتخذ موقفا بالفعل من كل مايقع وعبر عنه فنيا, ولم يكتف بالاختفاء مثلما يفعل الفنانون الآخرون, أو بالتملق الكاذب مثلما يقوم بذلك آخرون. البيغ وبغض النظر عن كلمة البراهش التي تبدو مقحمة في الأغنية قدم عملا ينتقد فيه الجميع : دولة وأحزابا وحكومة وشعبا وحركة ويقول إن التغيير يجب أن يبدأ منا لا من الفوق, وهذه مسألة لا يمكن إلا الاتفاق معها, وعملية لجوء بعض المحسوبين على حركة 20 فبراير إلى سبه وشتمه لن تغير من الموضوع شيئا, ولن تسيئ للبيغ نهائيا.

العكس هو الذي سيحصل والإحساس الذي سيترسخ عند المتتبعين هو أن الحركة أو بعض المحسوبين عليها على الأقل ممن يتحدثون باسمها هذه الأيام _ وماأكثرهم _ لايتقنون شيئا سوى سب الآخرين وتخوينهم, وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق من حركة تقول عن نفسها إنها أتت اليوم لكي تحارب الديكتاتورية وأنها تريد إسقاط الاستبداد.

إسقاط الاستبداد والإيمان بهذا الإسقاط فعلا يقضي بالقبول بكل الآراء حتى تلك التي تعارضك, ويقضي استحضار قولة فولتير الشهيرة دائما "قد أختلف معك في الرأي لكنني مستعد للموت من أجل حقك في التعبير عن رأيك", ويقضي الابتعاد عن سب الناس بمجرد تعبيرهم عن موقف يخالف مانؤمن به من قناعات. أعرف أن البيغ "بلاندي" ولن تمس شعرة منه كل تلك المصطلحات البليدة التي استعملت لسبه, لكنني أعرف أن حركة 20 فبراير هي حركة جديدة في المجتمع المغربي, وهي بسبب هذه الجدة لازالت هشة, ولازالت صورتها الأولى طاهرة وبريئة وأتمنى من قلبي فعلا ألا يخدش هذه المرآة الجميلة بعض "ثوريي آخر الزمان" ممن يعتقدون أن جهة ما منحتهم حق تقسيم العالم إلى أخيار وأشرار حسب مايقوله لهم مزاجهم المتعكر كل صباح.

لكي تكون الحركة كبيرة بالفعل عليها أن تعطي الدليل أنها مغايرة لكل مارأيناه لحد الآن, لا أن تقنعنا أنها نموذج آخر لضيق الدولة والأحزاب بالرأي الآخر منذ عقود وعقود. و"هادا مابان ليا والله أعلم فنهاية المطاف".