حسن حمورو—
 
في واقعة تعنيف الأساتذة المتدربين بانزگان، ليس المطلوب الدفاع عن العدالة والتنمية أو رئيس الحكومة الأستاذ عبد الاله بنكيران، لأن تاريخ الاعتداء الإعلامي عليهما معروف، ولا جديد فيه سوى ارتفاع المنسوب، أما مداخل الاستهداف فهي نفسها.
 
ومن سوء حظ خصوم العدالة والتنمية، أن كل شيء تقريبا ينقلب ضدهم، فيربح الحزب في كل مرة شعبيةً ومصداقيةً وتكون الحملات المغرضة الموجهة ضده، فرصة للمواطنين للتعرف عليه أكثر، فلا يجدون في هذا الحزب إلا أناسا يشبهونهم ويحترمونهم ويحرصون على خدمتهم وهو ما تترجمه نتائجه في الانتخابات، وما انتخابات 4 شتنبر عنا ببعيدة.
 
لذلك المطلوب بعد حادث انزگان ليس هو الاجتهاد في دفع تهمةٍ، أو ايجاد مخرج أو مبرر سواء كان عقلانيا أو خرافيا، مؤسس على نظرية المؤامرة، وإن كان ذلك ليس عيبا في إطار حدود تجميع المعطيات.  
 
إن المطلوب بعد كل هذا اللغط الذي واكب الحادث المؤسف، وحجَب الموضوعية في التعامل معه، هو تعميق النظر في مسارات ومآلات نخب وتيارات مجتمعية يجمعها الوطن الواحد مع العدالة والتنمية، كيف أن بعضها لا تتغير مواقفها المسبقة والمبنية إما على خصومة ايديولوجية قد تكون مفهومة ومشروعة، أوخصومة تستند إلى الصراع حول المواقع التي تتيح القرار وهي أيضا متفهَّمة، أو خصومة تستند إلى ثقافة احتجاجية تحكم كل ردود فعل أصحابها ازاء الآخر.
 
مسارات وتيارات يبدو أنها وصلت جميعها إلى الباب المسدود لأنها لم تغادر موقعها على هامش ما يُنجز في البلاد، وربما بعضها غادر مواقعه أو ضاقت عليه بما رحُبت واتجهت نحو العزلة، وبعضها بدأ ينتهي ويتحلل، مُغيّبة سؤال ماذا قدمت للبلاد، لتقييم ذاتها وتحاول الاستئناف، موثرة الانتعاش في لحظات المآسي حتى لا أقول المتاجرة بها، في عملية “قص ولصق” للمواقف واستراتيجية الرد والمبادرة، عملية تأكل مع تكرارها من مصداقية وجدية محترفيها، وتقذف بهم مسافات الى هامش الفعل المؤثر.
 
لقد وقع للأسف انقضاض على حادث تعنيف الأساتذة المتدربين بانزكَان، سيكون أول المتضررين من تبعاته الأساتذة المتدربين أنفسهم، انقضاض رأى فيه كل تيار من التيارات المذكورة فرصة سانحة لتصفية الحساب وتحقيق جزء مما صعُب تحقيقه بالمواجهة المباشرة في الميادين المكشوفة، سواء مع أطراف في الدولة أو مع العدالة والتنمية ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران.
 
وهنا لا بد من امتلاك الجرأة والموضوعية، وحسب المؤشرات المتوفرة، للتعامل مع حادث التعنيف بانزكَان على أنه غير مخطط له ولا مدروسا ولا ممنهجا، وإنما تجاوُزٌ يبقى على كل حال مرفوضا، ناتج عن قرار محلي يُسائل الحكامة الأمنية في علاقتها بحقوق الانسان وبالانتقال الديمقراطي، وهذا موضوع مطروح للنقاش الهادئ ولن يُعالَج بلغة الشارع، ولغة ليّ الذراع، ولغة التخوين والتخويف المستمرتين دون أثر يُذكر.
 
بعد هذا الانقضاض الجبان في بعض تفاصيله، ليس من المبالغة أن نقول أن الكثير من نخبنا ما تزال مريضة، أو في وصف أقل قسوة ما تزال بعيدة عن المجتمع وعن الأغلبية الصامتة من الشعب غير المعنية بهذا النوع من المعارك والصراعات، التي تكبح التقدم إلى الأمام، وتُسقط من يقودونها جزءً من المشكل لا جزءً من الحل، ما يعقّد تحديد مساحات مشتركة لتأمين التعاون حول المتفق حوله وقبول التنبيه والانتقاد حول ما يمكن أن يكون سلبيا أو تراجعا.
 
 ستهدأ الأمور ولن يكون أمام الحكومة ولا الأساتذة المتدربين ومن يمثلهم حقيقة إلا الحوار، وسيصل الحوار غير المشروط من أية جهة إلى نتائج تُرضي الجميع، بشرط أن تُوضع صورة البلاد نصب الأعين، وستجد جميع الأطراف نفسها مساهِمة بإرادة أو بدونها في إضاعة مزيد من الوقت على الوطن الجامع، ومنخرِطة بوعي أو بدونه في تعميق خدش الثقة بين الدولة وبعض فئات المجتمع، وفي تعميق جرح التعنيف والاستعمال المفرط للقوة في مواجهة الاحتجاجات التي ليس بالضرورة أن يكون الترخيص لها مرادفا وحيدا لسلميتها، وهذا طبعا إذا لم تكن هناك أطراف تشتغل أصلا على إضاعة الوقت وعلى تعميق الخدش والجرح!