حميد زيد كود
لم أقل شيئا. ولا كلمة من عندياتي. ولست مع أحد ولا ضد أحد. لكني أقرأ وأسمع وأرى، وآخر ما قرأته حوار القيادي الاتحادي عبد الهادي خيرات في أسبوعية الأيام.
قال عبد الهادي خيرات بالحرف:”صراحة، إن ما يحدث لنا كحزب تاريخي ديموقراطي وطني يدعو إلى السخرية”، “وها قد أصبح المناضلون الاتحاديون يتقاتلون في ما بينهم، ووصلت خلافاتهم الداخلية إلى القضاء، وإذا أضفنا إلى هذه المصائب ما يروج في الشبكة العنكبوتية من مقالات وأخبار تشوه صورة الحزب، فإنه يمكن القول اختصارا إننا أصبحنا أمام وضع مخجل وأصبحنا فرجة للجميع”.
وليست لي غيرة عبد الهادي خيرات على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ولا حساباته السياسية ولا نضاله ولا تضحياته، وهو ابن الدار، وحريص عليها وعلى سمعة أبنائها أكثر من أي شخص آخر، وها هو يعترف بأن الاتحاد الاشتراكي صار مسخرة وفرجة، دون أن يحرص على اختيار الألفاظ، ودون أن يتردد في نكء الجرح.
وفي الوقت الذي يروج فيه أنصار ادريس لشكر هاشتاغا يعتبر الاتحاد الاشتراكي مدرسة، يأتي قيادي منهم ويقول لهم لا، لا، نحن الآن مسخرة ولسنا مدرسة، ومن هب ودب يضحك منا ويتفرج في فضائحنا التي لا تنتهي.
وما يحسب لخيرات أنه لم ينسحب يوما من الحزب، ولم يأخذ مسافة، ولم يشتمه بعد أن استفاد منه، ولم يعتبره مصعدا يفضي إلى المناصب والوزارات، بل يقول ما يقول، وهو في الداخل، ووسط المعمعة، ولا ينظّر وينمق الكلام، كما فعل ويفعل هؤلاء الذين يريدون الاتحاد الاشتراكي جاهزا ومريحا ويقودهم إلى حيث يتمنون، وحين يتعذر عليهم ذلك ينتقمون منه ويتحدثون عن نهايته وأنه لم يعد ذلك الاتحاد الذي عرفوه.
كان كلما تكلم شخص أو جريدة أو صحفي يصرخ في وجهه ادريس لشكر: إنها مؤامرة، وها هم الاتحاديون اليوم، الواحد بعد الآخر، يرون حزبهم كما هو، و”يتآمرون” عليه، ويشيرون مباشرة إلى الكاتب الأول، ويحملونه مسؤولية ما حصل، رغم أنه من المستحيل تصديق أن يكون رجل اسمه ادريس لشكر هو المسؤول الوحيد عن سمعة هذه المدرسة، وما وقع فيها، وعن تغيب الأساتذة والتلاميذ، والحال أنه وجد الخراب متفشيا وأمعن فيه، وسعى إلى الاستيلاء عليه، متحمسا ومعجبا بنفسه وحارثا في الخراب.
لكن خيرات اكتفى بوصف الحالة، وأعفى كثيرين مشكورا من مشقة ذلك، لئلا يبدوا متحاملين، ولئلا يتهمهم أحد بخدمة جهة أخرى، ولم يقترح دواء ولا وصفة، واكتفى هو الآخر في حواره بالسخرية من عضة عزيز اللبار، ومن “ضرسه” السياسي القاسي الذي عض شباط، وأدخل يده إلى فمه، كأن جل ما يستطيعه الاتحادي اليوم هو الوصف والفرجة، وإبداء الموقف.
يخرج الاتحاديون اليوم تباعا من مدرستهم، وحتى الذين يخرجون يفعلون ذلك استعدادا للانتخابات القادمة، وليس حرصا على سمعة المدرسة الاتحادية، يخرجون لأن ادريس لشكر يريد كل شيء له، ويريد أن يكون كاتبا أول ورئيسا للفريق البرلماني وللشبيبة، وللقطاع النسائي، كما قال أحد الاتحاديين الحانقين في قفشة تدل على درجة اليأس التي وصلها.
حين كان الاتحاد الاشتراكي مدرسة، قال الراحل عبد الرحيم بوعبيد نحن لا تهمنا المقاعد، أما اليوم فكل الأساتذة والتلاميذ يرغبون في المقاعد، ولا شيء غير المقاعد، لا فرق بين الخارجين، والمتواجدين في الفصل، والمشكل أن المقاعد محدودة ونسبة النجاح محدودة، ولن يكفي تغيير عنوان مدرسة بعنوان آخر، والأخطر أن يجد المدير نفسه يوما ما وحيدا، في حجرة درس فارغة، بعد أن تأكد الجميع أن لا فرصة للنجاح، وأن سمعة المدرسة صارت في الحضيض، وحتى المقاعد لم تعد قادرة على توفيرها.
لقد شهد شاهد من أهلها، وقال بالحرف إن الاتحاد الاستراكي صار مسخرة، فماذا ترك لنا نحن، وللخصوم، ماذا سنقول أكثر مما قال عبد الهادي خيرات، ماذا سنقول، أكثر من هذا، وكيف سيدافع ادريس لشكر عن مدرسته، ومن له، وأي تلميذ أو أستاذ مستعد لأن يصمت على المآل الذي آلت إليه مدرسته، وأي مواطن يمكنه أن يثق فيها وفي مستواها، وأي ناخب سيصوت على الاتحاد الاشتراكي، بعد أن صار أهل البيت يؤكدون أن حزبهم أصبح مضحكا وباعثا على السخرية، من هو هذا المجنون، من هو هذا المريض بالحنين، الذي مازال يصدق أن الاتحاد الاشتراكي هو الاتحاد الاشتراكي.