عمر أوشن – كود//

كم من مرة تتكرر أخبار الانتحار..

نقرأ يوميا عن منتحرين ومنتحرات من كل الاعمار حتى طبعنا وتطبعنا معها..

أصبحت من العادي المتكرر..والتكرار يولد قلة الانتباه والتعايش والنسيان..
المجتمع تطور بشكل سريع و المغاربة اليوم ليسوا هم المغاربة الذين شاهدوا محمد الخامس في القمر..
الجريمة والانتحار جزء من الحالة الميكانيكية للبشر..
أتذكر في طفولتنا كانت أخبار الانتحار والجريمة قليلة ولما يحدث ويقتل قاتل قتيلا أو ينتحر رجل أو أمراة كان الخبر يزعزع ثوابتنا ويشكل صدمة كبيرة.
اليوم تغيرت المياه التي تجري تحت القنطرة..

صعقنا في تلك الفترة لما نزل الخبر: حسن وجدوه منتحرا معلقا بحبل على شجرة..
كنا نعرف عنه أنه منطوي صموت لا يخالط الناس سوى بمقدار.لكن لم نتصور يوما ما أنه سيفعها..
لقد أنتحر أبناء فقراء لم يجدوا الدواء كما أنتحر أبناء وبنات عائلات ثرية من طبقات مخملية..
هناك مساواة في وضع الحد للحياة..

اليوم زاد الانتحار من حيث الكم والكيف..
زاد الانتحار يوم زاد حجم ووزن محفظات الاطفال في المدارس..
زاد الانتحار بمقدار زيادة مواد التربية الإسلامية.

لماذا لا يفشل الدين فشلا ذريعا أمام الإنتحار..

زاد الانتحار بغياب مواد الفن والموسيقى والرياضة والمسرح.

و لماذا لا يفلح  الفلاسفة و لا المربون و لا الأطباء..

زاد الانتحار يوم وضعنا في يد الاطفال الرضع تلفونات سمارتفون ولعب الكترونية وتلفزيون مفتوح على مدار الليل والنهار يزعق لتنويم الصبيان ..
زادت حوادث الانتحار في القرى والارياف ونافست المدن..
زاد الانتحار يوم فقدنا المنازل العتيقة وسكنا عمارات كئيبة مثل فئران تجارب..
زاد الانتحار يوم ودعنا وجبات الامهات وخبز الدار مقابل الشوارما و البانيني والمعلبات..

زاد الانتحار يوم لم نعد نمشي..نركب من باب الدار الى باب الدار و لا نخطو على الاقدام..

كان لنا موعدا مع المنزل الصغير و سندباد لنحلم قليلا و نفرح فصار لنا اليوم موعدا مع أخطر المجرمين و برامج تبيع الموت و الدموع ثم الدموع..
و إرتفع عدد الشيوخ العجزة على إنهاء حياتهم منافسين الشبان اليائسين و الشابات الحزينات..
لا أحد يطرح السؤال لماذا ؟ و كيف يحدث وما العمل وما السبب.؟
نهرب الى الأمام و نتظاهر كأن شيئا لم يكن أو كأن ما وقع حادث عابر شاذ.
لماذا هذا الصمت على الانتحار في زمن صناعة السعادة ..
لماذا لم ينفع الفقيه والامام والمسجد وبرامج القنوات الدينية ودروس الإرشادوالوعظ في محاصرة هذا المد الانتحاري السائد..

خبر إنتحار شاب من الريصاني في مكناس حصل على الإجازة في الشريعة مر مرور الكرام ..

كيف ينتحر من درس الشريعة ويكتب وينشر بلغة أنيقة نصوصا أدبية في صفحاته على الفايس..
لقد ترك رسالة قبل أن يطير الى العالم الآخر يتحدث فيها عن لقاء هناك في البياض..
لقد صنعنا لهذا الجيل كل أسباب الضياع..كل كيمياء التيه ..لكن جئنا في الأخير نحاسبه..
لم يلمس الطين و الأعشاب والزهور والصلصال ولم يلعب بالماء تحت المطر و لم يقطف فواكه الأشجار ولم يقترب الى الأسماك الصغيرة وأعشاب البحرالتي تركها جزر شاطئ..
كل ما ناله حضارة المنيوم وبلاستيك وحروب في هواتف ذكية..
قبل أيام قلية انتحرت قاضية في فاس وهي في أولى خطوات حياتها المهنية..

دفنوها في قريتها في جبالة و دفنوا معها أسرارها..

أما أنطوني بوردان الصحافي الكبير وعاشق فنون الطبخ جوال العالم و صانع برامج ناجحة فقد أنهى حياته بيده هو أيضا..

لماذا أنتحر الفنان  بوردان..

الله أعلم.