لكن هذا لا يعفينا أبدا من التوضيح بأن هناك أحزابا تستحق فعلا كلمة أحزاب وأخرى تؤثث المشهد لأغراض أقل بكثير من الأفق المرسوم الحالي.
كما أن الأحزاب الحقيقية لها أعطابها وخطاياها السبع التي لا يمكنها أن تقفز عليها أو تعتبرها عابرة .
وهنا ملكة النقد الذاتي والتصحيح الحقيقي للذات، ضرورة تاريخية.
على الأحزاب الوطنية، بعد أن يدرك الرأي العام دورها، أن تعي بأنها مرتبطة بمستقبل السياسة والديموقراطية في البلاد.
ولحد الساعة، مازال أمامها مايمكنها أن تساهم به.
ويتبين من الأجندة الإصلاحية التي تم عرضها في الخطاب الملكي، أن الشق الأساسي المرتبط بالأحزاب، بشكل مؤسساتي متعدد المستويات..وذلك على مستوى وزيرها الأول وعلى مستوى برلمانييها وعلى مستوى تشكيلتها الوزارية.. وأيضا على مستوى قدرتها على إعطاء البرلمان القدرة السياسية الحقيقية.
فلم يعد من المقبول اليوم ألا تكون للوزير الأول الحزبي القادم، قوة وشخصية حقيقية تجعله يقوي موقعه عمليا بعد أن يتقوى دستوريا وسياسيا.
إن النص مثل الأسلوب، هو الرجل، كما أن النص لا يمكنه أن يخلق الرجال الحقيقيين للدولة.
لا نشك لحظة بأن التعديل الدستوري وتقوية مركز الوزير الأول وسلطاته خطوة كبيرة على طريق تقوية الأحزاب، لكن نعتقد أن الأحزاب عليها، أيضا، أن تكون رجالاتها الفعليين، لكي تقوي النص وتقوي المركز الذي تحتله.
هناك ثقافة بكاملها لابد من أن تنتهي، وأن تقوم عليها ثقافة جديدة تستحضر الثوابت والمؤسسات وتكون لها الكلمة.
في كل المناسبات التاريخية وجدت الدول، التي عاشت الانتقال، نفسها أمام منعطف حاسم، كان هناك رجال كبار وأقوياء يستطيعون أن يقودوا السفينة الديموقراطية.
وهم يأتون من الأحزاب، ولا يمكن أن يخرجوا من معطف غوغول كما في الروايات!
كما أن النخب، التي تحتضنها الأحزاب في البرلمان والجماعات لا يمكن أن تظل هي هذه النخب التي أنزلت المصداقية الديموقراطة والشعبية للبرلمان إلى المستوى الذي أصبح يستوجب الخروج إلى الشارع، والمطالبة بقرارات حاسمة فيه.
ومسؤولية الأحزاب هنا لا غبار عليها، وهنا لابد من القول إن الأمر يتعلق بالأحزاب الجادة والفعلية، والتي أثبتت صلاحيتها في السراء وفي الضراء وحين البأس.
وليست الأحزاب التي تصنع من هذه العينات المنبوذة ذاتها.
ولقد عشنا تاريخا من هذا القبيل، وكانت النتيجة أننا عندما احتجنا إلى قناعات تبنى وإلى منظمات تقف في وجه الأعاصير وإلى قيم مشتركة تحمي العمل المؤسساتي، وجدنا أننا أمام ما يشبه العبث: أحزاب تقاتل من أجل أن تعطي معنى للسياسة، وسياسة تنتج أحزابا خصيصا لكي تقضي على المعنى وعلى السياسة معا.
اليوم لم يعد من الممكن أن نستمر بكل جحافل التردي والسقوط والتصنع الديموقراطي، في الوقت الذي نحتاج إلى شيء حقيقي.
لقد تبين من مبادرة الملك أنها فاجأت الكثيرين، كما أنها كشفت عن انفتاح جديد للحقل السياسي على أسئلة كبيرة ومقلقة، لم تكن في الحسبان.
واليوم مطلوب من الأحزاب أن تصارح نفسها، كما مطلوب منها أن تفعل، إلى أقصى حد الشروط التي تساعدها، على العمل الديموقراطي التمثيلي.
وهذا أمر لا تقوم به بمعزل تام عما يحدث وسيحدث في الترسانات الأخرى التي تبني الدولة. ومنها رأي عام مستقبل، إعلام عمومي حقيقي، قضاء مستقل، أدوات حكامة سياسية جيدة، وضوح في الحقل الفكري والثقافي، الخروج من التباسات المؤسسات الموازية وغير ذلك من الشروط التي تعفي الأحزاب إلى حد الآن من النقد الذاتي. وهي شروط لابد منها لكي تقوم السلطة الأولى، أي سلطة التنفيذ.
فلا يمكن أن يتطور الجسم السياسي ويتحول، إذا ما ظل بلا دفتر تحملات واضح ومستقل ومحايد في كل مناحي اشتغال الدولة.
الأحزاب في التعريفة الديموقراطية والوسائطية، أدوات، وهي هناك أدوات الإصلاح.
ولابد من إصلاح أدوات الإصلاح، على ألا تكون تلك هي المهمة الوحيدة به، لأن الهدف هو أن يساهم الإصلاح في تقوية كل مؤسسات الدولة،