كود – وكالات//

كانت بحيرة توركانا في وادي الصدع العظيم في كينيا قبل 1,5 مليون عام عبارة عن سهول عشبية حارة مليئة بالحياة البرية.

وفي إحدى ضفافه، شهدت المنطقة مشهدًا كان يُعتبر حتى وقت قريب أمرًا مستحيلًا: شخصان من نوعين مختلفين من البشر، “هومو إريكتوس” و”بارانثروبوس بواسي”، وهو أقرب أصناف البشر المتطورين لجنس هومو، وطأ كلاهما الأرض نفسها بفارق ساعات قليلة.

أي أنهما عاشا في نفس المنطقة الجغرافية وفي نفس الفترة الزمنية بشكل يبدو مسالمًا، سعيًا وراء موارد متشابهة.

هذا المشهد هو ما أعاد فريق من الباحثين بناءه استنادًا إلى اكتشاف مجموعة من آثار الأقدام البشرية في موقع كوبي فورا، وهو موقع غني بالحفريات يضم بقايا ما لا يقل عن أربع أنواع مختلفة من أنواع البشر، بالإضافة إلى أدوات حجرية وآثار حيوانات مذبوحة.

وفقًا لمقال نُشر يوم أمس الخميس في مجلة Science، هذا هو أول مثال معروف لوجود مجموعتين من آثار أقدام لأنواع البشر طُبعتا في الوقت نفسه على ضفة بحيرة قديمة.

يقود فريق العلماء كيفن هاتالا، الأستاذ المشارك في علم الأحياء بجامعة تشاثام (الولايات المتحدة)، الذي أكد أن هذه الاكتشافات تسهم في فك ألغاز تاريخ تطور الحركة والتنقل لدى أشباه البشر، وتقدم “أدلة قاطعة” على أن نوعين على الأقل من أنواع البشر قد تفاعلا في بيئات مختلفة في إفريقيا قبل أكثر من مليون عام، وبمستويات تنافس منخفضة.

أدلة على التعايش

حتى الآن، كانت الأدلة على هذا التعايش بين الأنواع البشرية مستنتجة فقط من اكتشاف حفريات متناثرة متداخلة.

أما التحليلات الخاصة بآثار الأقدام فقد أظهرت أنها طُبعت بفارق زمني بسيط جدًا — وربما يكون الأفراد قد تقاطعوا، كما يشير كريغ فايبل، المؤلف المشارك في الدراسة وأستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة روتجرز (الولايات المتحدة).

ويعتقد الباحثون أن الآثار تعود إلى هومو إريكتوس وبارانثروبوس بواسي، وهما أكثر مجموعات أنواع البشر انتشارًا في ذلك الوقت من العصر البليستوسيني.

آثار لا يمكن التشكيك بها

ظهرت هذه الآثار في عام 2021 خلال حفريات قادتها لويز ليكي، العضو في الجيل الثالث من عائلة علماء الحفريات الشهيرة، بمشاركة علماء محليين كينيين. وكان أحدهم، ريتشارد لوكي، هو من اكتشف الآثار في منطقة سبق العثور فيها على حفريات بشرية. لاحقًا، خضعت الآثار لتحليل دقيق باستخدام تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد لتحديد تفاصيلها: من صاحبها ونمط الحركة التي استخدمها.

هذه الآثار التي تُعرف باسم “آثار الحفريات” تقدم دليلًا على السلوك البشري القديم وتظل ثابتة عبر الزمن. على العكس، يمكن للعظام والأسنان أن تتعرض للتحلل أو الإزاحة بسبب المياه أو الحيوانات المفترسة.

يقول كريغ فايبل: “هذا الدليل يثبت بشكل قاطع أن نوعين مختلفين من أنواع البشر عاشا على نفس الأرض بفارق ساعات قليلة”. ويضيف: “فكرة أنهم عاشوا معًا ليست جديدة، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم إثباتها بشكل مباشر. هذا اكتشاف هائل”.

مصير الأنواع البشرية

وفقًا للسجلات الحفرية، استمر هومو إريكتوس، وهو سلف مباشر للبشر المعاصرين، في العيش لمدة مليون سنة أخرى. أما بارانثروبوس بواسي فقد انقرض بعد مئات الآلاف من السنين لأسباب لا تزال غير معروفة.

كلا النوعان كانا يتمتعان بوضعية قائمة، وكانا قادرين على المشي على قدمين بشكل ماهر. ورغم أن التفاصيل حول كيفية تفاعلهما ثقافيًا أو تناسليًا لا تزال غامضة، فإن هذه الاكتشافات يمكن أن تسلط الضوء على هذا الجانب المجهول.