بنعدي عبد الصادق – مختص في الشؤون الانتخابية وتدبير المجالس المنتخبة///
أثار اهتمام العديد من المحللين والمهتمين بالشأن السياسي والانتخابي كثرة الاستحقاقات الانتخابية والاستفتائية المقررة سنة 2024، حيث وصفوا هذه السنة بكونها سنة انتخابية بامتياز بالنظر إلى العدد الكبير من الاستحقاقات المقرر إجراؤها هذه السنة في حوالي 74 دولة تتوزع على مختلف أنحاء العالم. وتهم بالأساس ما يقارب 81 استشارة، منها 33 انتخابات رئاسية، و42 انتخابات تشريعية (35 تهم انتخاب أعضاء مجالس النواب، و7 اقتراعات لانتخاب مجالس الشيوخ)، فضلا عن 6 اقتراعات أخرى تتعلق بإجراء استفتاءات دستورية.
من بين هذه الدول، 63 دولة حددت فعلا تواريخ هذه الاستحقاقات، وستة دول لم تحدد بعد هذه التواريخ، ويتعلق الأمر بكل من غينيا بيساو ومالي وباكستان وبيرمانيا ولبنان وغينيا، في حين أن خمس انتخابات يتوقف إجراؤها على الوضع الداخلي للدول المعنية أو قرار السلطات السياسية بها. ويتعلق الأمر أساسا بكل من أوكرانيا وليبيا وفلسطين وهايتي وجنوب السودان.
وتتوزع الدول المعنية بهذه الاستحقاقات على أربع قارات، حيث تحتل كل من القارة الآسيوية والإفريقية المرتبة الأولى، بـ25 اقتراعا في كل واحدة منهما، تليهما أوروبا بـ22 انتخابا، والقارة الأمريكية بـ 18 انتخاب، فضلا عن ثلاثة انتخابات أخرى تهم جزرا توجد في المحيط الهادي.
الانتخابات في القارة الآسيوية:
أهم ما يثير انتباه الرأي العام في هذه القارة هو تنظيم الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في روسيا الاتحادية بعد أن تم إجراء تعديل للدستور يسمح للرئيس بوتين بالترشح لهذه الانتخابات لمدتين اثنتين، مما سيفتح له المجال، مبدئيا، لتولي منصب رئاسة الاتحاد الروسي إلى غاية سنة 2036. وطبيعي أن يستحضر المتتبعون أن تنظيم هذه الانتخابات يتم في ظل الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا والعلاقات المتوترة لروسيا بأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي جراء هذه الحرب.
من بين الانتخابات التي تحظى أيضا بالاهتمام، الانتخابات الرئاسية بالتايوان التي تعتبرها الصين جزءا من ترابها الوطني وتطالب باسترجاعها، في حين أن الدول الغربية وفي إطار صراعها مع الصين تدعم بقاء التايوان مستقلة عن الصين.
وستشهد أيضا، كل من الهند ثاني أكبر الدول من حيث السكان والباكستان، الدولة النووية المنافسة للهند، وكذا كل من إندونيسيا والبنغلاديش وإيران وغيرها، انتخابات تشريعية أو رئاسية ستحدد من سيحكم هذه الدول في ظل التوترات الجيوسياسية التي تعرفها مختلف الجهات في العالم.
الانتخابات في القارة الإفريقية:
من أهم الانتخابات التي ستجرى في هذه القارة، الانتخابات الرئاسية والتشريعية في جنوب إفريقيا وذلك في ظل ما يشهده الحزب الحاكم من تراجع لشعبيته بسبب اتهام بعض مسؤوليه بالفساد وتزايد الاستياء الشعبي على إثر تراجع الاقتصاد وازدياد معدلات البطالة. وفضلا عن ذلك، فإن هذه الانتخابات ستجرى في ظل مستجد يتمثل في صدور قانون يسمح للمستقلين بخوض غمار هذه الانتخابات وذلك بعد أن قضت المحكمة الدستورية سنة 2020 بعدم دستورية منع المرشحين المستقلين من المشاركة في الانتخابات.
كما ستشهد القارة الإفريقية انتخابات رئاسية في السينغال في ظل صراع محتدم بين الأطراف المتنافسة، وكذا في إثيوبيا التي قام رئيس وزرائها بتوقيع مذكرة تفاهم مع رئيس “إقليم أرض الصومال” الانفصالي بغية تمكين إثيوبيا من منفذ يوصلها إلى البحر، مما فجر موجة من التوتر بينها وبين الصومال التي اعتبرت أن الاتفاق ستترتب عنه ارتدادات جيوسياسية قد تؤثر على العلاقات بين دول القرن الإفريقي المضطرب.
الانتخابات في القارة الأوروبية:
خلال شهر يونيو المقبل، سيدعى الناخبون في 27 دولة أوروبية لانتخاب ممثليهم في الاتحاد الأوروبي. ويجري هذا الاقتراع في ظل أجواء تتسم بصعود التيارات اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب وذلك بسبب الجمود الاقتصادي وازدياد نسبة البطالة وتنامي الجهرة.
مجموعة من الملاحظين يرون أن وصول أحزاب اليمين المتطرف إلى البرلمان الأوروبي قد يؤدى إلى تغيير في سياسية الاتحاد اتجاه دول العالم الثالث ومواطنيهم المتواجدين في الأراضي الأوروبية، بل وإلى تغيير في سياسات وتوجهات وأهداف الاتحاد الأوروبي نفسه.
وفي نفس القارة ستجرى انتخابات تشريعية في عدة دول أخرى منها بريطانيا بين حزب المحافظين الحاكم والحزب العمالي، وبلجيكا والبرتغال والنمسا وكرواتيا ورومانيا وليتوانيا وإيسلندا، وكذا انتخابات رئاسية في كل من في كل من فلندا وكرواتيا ومالطا وسلوفاكيا.
الانتخابات في القارة الأمريكية:
هذه القارة ستعرف انتخابات تشريعية ورئاسية في العديد من الدول، منها المكسيك التي ستتنافس فيها امرأتان على منصب الرئاسة، وفينزويلا والسلفادور والأوروغواي. غير أن أكثر الانتخابات في هذه القارة التي تسترعي اهتمام المتتبعين، تلك التي ستجرى في الولايات المتحدة لاختيار رئيس جديد. فإذا كان جو بايدن يبدو المرشح القوي للحزب الجمهوري، فإن هناك من يرى أن شعبية هذا الأخير قد تراجعت إلى أدنى مستوياتها. وقد يتنافس في الانتخابات المقبلة مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حالة لم تقرر المحكمة العليا عدم أهلية هذا الأخير للترشح للانتخابات جراء متابعاته المتعددة أمام القضاء.
وإذا حصل أن تمت المواجهة للمرة الثانية بين جو بايدن ودونالد ترامب، فستكون هذه المعركة الانتخابية الأكثر إثارة ليس على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، وإنما على مستوى باقي دول العالم، لما لهذه الدولة من تأثير على مختلف الأزمات التي يعرفها العالم. بل إن هناك من يرى أن بعض السياسيين يراهنون على عودة ترامب إلى الحكم، كالرئيس الروسي بوتين الذي يأمل أن يغير ترامب موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب الروسية الأوكرانية، وكذا رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يرى في ترامب حليفا موثوقا سيساعد إسرائيل في كل مواقفها، وخاصة فيما يتعلق بالقضاء على حلم الفلسطينيين في إقامة دولة خاصة بهم إلى جانب إسرائيل. أما الإيرانيون والصينيون، فلن يتحمسوا لفوز ترامب بسبب سياسية التصعيد التي نهجها مع بلدانيهم خلال فترة ولايته السابقة.
وخلاصة القول إن نتائج هذا العدد الكبير من الانتخابات التي سيشارك فيها نصف عدد سكان المعمور، قد تكون لها آثار على مجموعة من الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعيشها العالم في حالة إذا ما آلت السلطة إلى أحزاب يمينية متطرفة في أي من القارات الأربعة المذكورة، والتي لن تساهم في حل المشاكل المطروحة بقدر ما ستزيد من تعميق الأزمات وتهديد الأمن والسلام العالميين.
وستكون لنا عودة لمواكبة بعض من هذه الانتخابات كلما أمكن ذلك.