هي زفرة ارتياح تعقبها أخرى تأمل بأن ينقرض الاعتقال السياسي من البلد نهائيا, أن يعانق كل المظلومين الحرية, ألا يوجد خلف القضبان أبدا شخص جاهر برأيه فقط. لم يحمل سلاحا, لم يتورط في جريمة ولم يهدد أمن إنسان ولا ممتلكات.

البعض في "الفيسبوك" و"التويتر" وغيرهما من المواقع التواصلية قال إن الفضل هو فضل 20 فبراير وليس فضل أي جهة أخرى. قلنا لا, الفضل الأول والأخير هو لخصلة التواصل التي لطالما انتقدنا غيابها عن البلد والتي أصبحنا بعد 20 فبراير نلمسها واضحة وبكل سلاسة. الشباب يعبرون في الشارع عن مواقفهم ومطالبهم, وعاهل البلاد يخرج في خطاب عشرين يوما بعد ذلك لكي يلبي لهم قسطا وافرا من هذه المطالب. ينزل الشباب مجددا إلى الشارع ويطالبون بمطالب أخرى, يأتي القرار يوم الخميس الفارط بالاستجابة لأهمها أي إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وهو الشعار الذي كانت سترفعه مسيرات 24 أبريل القادمة.

هل هناك ما هو أفضل من كل هذا؟ بالتأكيد يوجد. أن نواصل الاستماع لبعضنا والتواصل مع بعضنا البعض. لنقل الأشياء بالصراحة الساذجة التي ألفنا أن نكتب بها: ماصنع المشكل سابقا بين الراحل الحسن الثاني وبين الأحزاب التي كانت تعارضه هو أنه رحمه الله كان مقتنعا بشيء أساس هو أن لايستجيب أبدا لمطلب تقدمه له هذه الأحزاب تحت الضغط أو مايشيه الضغط, سواء كان الضغط إضرابا عاما أو إضرابا قطاعيا أو ملتمس رقابة أو مايشبه كل هذا. العكس هو الذي كان يحصل كل مرة. تشن المعارضة إضرابا عاما, ينزل الجيش إلى الشارع لكي يصوب نحو الناس بالرصاص الحي. تقدم المعارضة ملتمس رقابة, يهدد الملك بإعلان حالة الاستثناء وحل البرلمان من الأصل. تطالب المعارضة برأس ادريس البصري وضرورة إخراجه من الحكومة, يرد الحسن الثاني ببلاغ يكاد يقول إن البصري أصبح من المقدسات.

اليوم نحن نحيا شيئا آخر مخالفا تماما. الشباب الذين كانوا صغارا ربما في عهد الحسن الثاني إلى حد لايسعفهم للقيام بالمقارنة عليهم أن يسألوا من يفوقونهم سنا عما كان يحدث بالتحديد. نعم, اختلفت المعطيات محليا وإقليميا وعالميا, نعم أحرق البوعزيزي نفسه في تونس وهرب بنعلي وخلع مبارك وهو الآن في السجن رفقة نجليه, لكن علينا ألا ننسى شيئا هاما وأساسيا: القذافي يقتل شعبه اليوم لكي يبقى. علي عبد الله صالح يضرب بالرصاص الحي المتظاهرين لكي لايزول. بشار الأسد أباد بلدة إسمها درعا اكتشفها العالم يوم قبل أن تباد عن آخرها. حمد البحريني يقتنص شيعة المنامة من على الأسطح. حتى الملك قابوس الذي ننسى أنه موجود يطلق رصاص شرطته والجيش على المتظاهرين. جنرالات بوتفليقة يحاصرون الشعب الجزائري ويمنعونه من القيام بمظاهرة واحدة. "شكون آخر"؟

المغرب, في هذا البلد الذي سيبح صوتنا ونحن نقول لكل من يريد أن يضعنا ضمن سلة البيض العربي الفاسد إننا لسنا منهم, ولا نشبههم ولانريد أن نتشبه بهم, يحدث شيء مغاير. علينا بكل تواضع ودون أي عقدة أو خوف من الاتهامات الفارغة من العدميين أن نقول إن ثمة شيئا مغايرا يحدث في بلدنا, كما كان الحال عليه منذ القرون والقرون. الملك استوعب أن مطالب الشباب في جزء غير يسير منها هي معقولة "ماعندنا مانقولو عليها", وهو يستجيب لها الواحدة بعد الأخرى.

لي أنا المواطن المغربي الذي أحمل في دواخل الدواخل قلبا يأبى أن يرى دما مغربيا يراق بالمجان على مذبح صراع سياسي يحله العالم المتحضر اليوم بالجلوس إلى طاولات الحوار أن أفخر بالمسار الكائن في بلديو وأن أضع اليد على الفؤاد خشية أن يمس هذا المسار, أن تقرر له جهو ما في لحظو طيش ما أن يتوقف.

إذا كانت هناك من حاجة اليوم لمسيرات في هذا البلد فهي الحاجة لمسيرات تطالب بالاستمرار في عملية التواصل هاته بين الملك وشعبه, لأن إيقافها يعني قتلنا جميعا والإلقاء بنا إلى المجهول. رجاء, لنترك هذا الجسر ممدودا ولنحاول أن نصلح كل شيء سلمياو فهذا هو قدرنا, وهذا هو الدرس الوحيد الذي يمكن أن نقدمه للعالم العربي المريض: درس الاستثناء المغربي الحقيقي

.