إسرافيل المغربي- كود

من بين الأشياء التي قد يُثاب من أجلها المرء يوم البعث، عدم إنتماءه إلى أي فصيل سياسي ،أو تيار قومي أو أيديولوجي ، حيث يضحي الإنسان بإستقلاليته وحريته الفكرية ،في سبيل التماهي مع الجماعة التي ينتمي إليها.
إن الأدلجة والإنتماء ،أفيون الفرد ولُحمة القطيع ، لذالك فهذا الأخير، حارب ولايزال ، كل الأصوات الحرة، التي تشذ عن وحدة القطيع والمشككة في اليقينيات والدوغما ،المُسلّم بها.

منذ الأزل ،سعت الجماعات والأفراد ، إلى الدفاع عن القيم والرموز الجمعية، والذود عن حياضها ،بالغالي والنفيس ، وأُبتدع النضال والإستشهاد ، فبرز نجم جيوش من المناضلين ،الذين حولتهم ،الجماعات وأحيانا أنظمة معينة ، إلى أبطال وأنصاف ألهة.

في عصر الأنترنت والمواقع الإجتماعية، طفى على السطح ،جيل جديد من المناضلين والمتكلمين بلسان الوطن والشعب والسماء والدنيا والأخرة، وكل القضايا “الكبرى” ،التي تهيج الجماهير ،وتجعلهم يلتفون حولك، وكأنك راهب قد منحته الألهة، مفاتيح الخلاص الأبدي .

جيل من مناضلي الويفي والبلوتوت ، أدركوا أن الشعوب كالطبيعة، لاتحتمل الفراغ ، وأن العداء الشفوي ،للنظام وأمريكا وإسرائيل ،والإمبريالية العالمية، والكفار ،والشركات المتعددة الجنسية، والماسونية العالمية والكائنات الفضائية ومالاتعلمون .. من شأنه أن يفتح لهم خزائن الأرض ،وأن يجعل لهم شأنا رقميا عظيما.

النيو- مناضلون ،الذين لم يذوقوا في يوم من الأيام ،هراوات وركل البوليس ، و لاقساوة المعتقلات والسجون ،ولم يشاركوا قط، في اعتصامات و اضرابات ..ادركوا أهمية هاته القضايا ،وإمكانية الركوب عليها ، من أجل التحصل ،على مكاسب مادية و أحيانا معنوية.

إعادة تسويق البؤس ،وإستخدامه كمادة وموضوع ،للفديوهات والبودكاستات والمقالات ..و قولبة هذا البؤس في قوالب وخطابات شعبوية ،أصبح وسيلة من أجل خلق إسم اعلامي والتلبس بلبوس المصلح والمرشد والمقاوم والمعارض ،الذي لم يأتي الزمن بمثله.

لقد تحول النضال ،من موقف سياسي ، و وسيلة من أجل التغيير،وأداة صراع ، إلى مطية من أجل الإسترزاق والكسب ،وتحقيق أهداف شخصية ،في لبوس جمعي نبيل. إن النضال الذي يرتجي اللايكات والبرطجات والفري لانس ، قد كفر بروح النضال الحق، الذي يحمل سببه في ذاته ،ولايرجوا من وراء فعله ، لاجزاء ولا شكورا .