حميد زيد كود-
أسوأ ما في لادجيد وكل أنواع المخابرات والأجهزة هي أنها لا تعوض بشكل جيد، وبمعنى أوضح بخيلة، والبخيل لا يمكن لصحفي طموح أن يشتغل معه، فلا سمعة جيدة تبقى لك ولا راتب سمين يغريك بالمغامرة وتحمل العواقب.
تعتبر الأجهزة العمل معها واجبا وطنيا، وشرفا لا يناله أي صحفي كيفما كان، ولهذا السبب فحسب لم أسع إلى أن أكون عميلا لها، لأني أعرف مسبقا أني لن أجني أي ربح، زيادة على أنها لم تعرني يوما اهتماما، ولم يتصل بي أحد، لأشتغل معه.
من خلال تجربتي في هذه المهنة أصبح المحدد عندي هو الراتب، وكلما كان مرتفعا أعتبر أنه عمل جيد ومحترم واختيار صائب، مع هامش من الحرية، أعبر فيه عن قناعاتي المخزنية وأفكاري الرجعية والمتقلبة.
لقد اشتغلت طوال مساري الصحفي مع جميع الأنواع والأشكال، من المعارض للنظام واليساري الراديكالي والثوري إلى اليميني الرأسمالي، وكلهم هضموا حقوقي واستغلوني أبشع استغلال، باستثناء الرأسماليين، الذين احترموا عقد العمل وأدوا واجبات صندوق الضمان، ولم يسرقوا ولو فلسا من مجهودي وحقوقي كصحفي.
لذلك وأنا أتابع ضجة التسريبات أضحك من غباء البعض وسوء نية الكثيرين، وأرى أن لائحة الأسماء التي قدمها الزميل رضوان الرمضاني في معظمها جيدة، وانطلقت من حس مهني، ولو كنت مكانه لفعلت نفس الشيء، مضيفا بعض أصدقائي العاطلين عن العمل كواجب تضامن مني معهم، لكن ما يحز في نفسي أن معظم تلك الأسماء الواردة في اللائحة لم تشتغل في المشروع، وهذا ينم عن غياب الحس المهني لدى من اتخذ القرار في نهاية المطاف، وإذا كانت لادجيد هي التي فعلت ذلك، بعد توصلها بالقائمة، فهذا يعني أنها لا تفهم كثيرا في الصحافة، ولا يعنيها استقطاب الأقلام الجيدة والمحترمة.
كل الذين تبدو عليهم السعادة اليوم، وكأنهم حصلوا على فضيحة العمر وسكوب القرن، لا يعرفون ما يجري في هذه المهنة، أو يعرفون ويتغاضون عن ذلك، فكل المؤسسات الصحفية في المغرب وراءها من وراءها، وتخضع لأصحاب المال والسلطة، وهناك من يأخذ من الداخل والخارج، وهذا هو الأسوأ بين الجميع، بينما الصحفيون يشتغلون من أجل راتبهم آخر الشهر، وهم الضحية في هذه اللعبة المعروفة، و التي لا تحتاج إلى تسريبات ولا لأي تفسير.
لا يمكن للصحفي أن يجلس في بيته، وينتظر حتى يظهر مشروع يموله الملائكة فيشتغل فيه، هو أيضا مثل كل الناس يحتاج إلى عمل، وحتى عندما يظهر مثل هذا النوع من المشاريع الملائكية، لا يمر إلا وقت قليل، حتى نكتشف ارتباطاتها وحساباتها ومن يحركها.
فالصحافة تحتاج إلى مال كثير، وحتى لو كنت الأول في المبيعات فإنك لا تربح منها إلا وجع الدماغ، وإذا لم تكن مدعوما من جهة ما، فستفلس وتنسحب جارا معك أذيال الخيبة.
وما يثير أكثر هو هذا الاستغراب والدهشة، كأن ما حصل هو أمر غريب، فالأجهزة هذا هو دورها في كل مكان في العالم، حسب خصوصية كل دولة وظروفها ومشاكلها ومدى تقدمها وتخلفها، فهي تراقب وتضبط وتحاول التحكم في كل ما يحدث، وترد على كل من يزعجها، وتستقطب وتسخر من يعمل معها، وتختار وتوظف المستعدين لأداء هذه المهمة.
أما الشرعي فهو معروف ومواقفه في هذا المجال واضحة ولم يدع يوما أنه شي غيفارا زمانه، ولن تكون تسريبات كولمان فضيحة وسكوبا حقيقين، إلا حين تكشف لنا عن أولئك الذين يشتغلون مع الأجهزة ومع الدول الأجنبية، بينما يدعون البطولة والنضال، وحينها فقط ستكون المعلومة مدوية وينكشف المستور.
لكني مع ذلك ألوم لادجيد وأعتبرها، في حالة ما إذا صحت هذه القصة، مقصرة في عملها وتفتقر للكفاءة المهنية، فكيف يمكن لجهاز قوي مثلها، أن يفرط في تلك الأسماء المقترحة عليه، ومعظمهم زملاء لي وأقدرهم كثيرا، وألوم أكثر رضوان الرمضاني الذي لم يقترحني ولم يفكر في ولم يضعني في اللائحة، رغم أنه يدعي في الظاهر أنه صديق لي، وتركني مع أحمد نجيم في كود، نقضي فترة نشتغل فيها مع المخزن، وفترة أخرى يتحول فيها الموقع إلى معارض للنظام، حتى داخت الدولة وداخت لا دجيد والموساد وداخ موقع كود وداخ القراء، ثم جاء سقراط، واشتغل معنا، مباشرة بعد خروجه من السجن، وكانت الطامة الكبرى، فأصبحنا موقعا مشبوها ومجنونا وخليعا ومع النظام في الصباح وضده في المساء، وإباحي حين تندر الأخبار.
حقيقة أشعر بالغبن، فلا الأصدقاء يهتمون بي، ولا الأجهزة، ورغم الدور الذي لعبته أيام الحراك، ورغم المساعدة التي قدمتها في فشل الثورة وتراجع 20 فبراير عن الخروج كل يوم أحد، ورغم كل الشتائم التي وصلتني جراء الخدمات التي قدمتها للدولة، لم أتوصل حتى برسالة شكر ولا عرض للعمل.
هل هذا هو جزاء عمالتي أيتها الأجهزة
هل هذا هو المقابل الذي يتقاضاه من يمد إليك يد العون
يا لادجيد يا بخيلة
يا متنكرة
يا مغرورة
تتعاملين مع الشرعي الغني وتتركين صحفيا مفلسا يحتاج إلى من يساعده
لكني لن أسكت
وفي اليوم الأول من السنة المقبلة سأتحول إلى معارض
وسأصعد إلى الجبل
إنها مجرد كلمات أستعملها، ومن السهل جدا إرسالها في كل الاتجاهات
فليس مقبولا أن يأخذ المعارضون شيكات
ولا أتلقى أنا إلا الشتائم
لقد نفد صبري
ولا أحد يطلب خدماتي
حتى موقع زحيليكر رفض أن يوظفني
وياله من ألم
أن يتخلى عنك الزملاء
والأجهزة
والمعارضة
وتبعث كل يوم بالإشارات إلى لادجيد
ولا تهتم بك
ولا تعوضك عن كل المجهودات التي بذلتها
ولا يبقى لك إلا أحمد نجيم
تكذب عليه وتبكي
ويصدقك
ويعدك بأن وضعك سيتحسن بعد دخول أموال الإشهار
وأموال الإشهار لا تدخل أبدا.