و قلت أيضا أن الزميل علي المرابط لن يكون أول مستهدف من طرف الذين يخافون من حرية التعبير و الرأي، و لن يكون الأخير، و أن قائمة الاعتقال و التحقيق و الاستنطاق و الترهيب ستظل مفتوحة، مادام الصحافيون متفرقون و مشتتون و متحاربون فيما بينهم.
و اليوم و بعد اعتقال الزميل رشيد نيني، أقولها مرة أخرى، أن الصحافيين برمتهم و دون استثناء، هم من اعتقلوه و زجوا به في غياهب السجن، و هم من حرضوا على حبسه و منعه من كتابة عموده اليوم الذي يقرأه عشرات الآلاف ( رغم أنني لا أقرأه و لم يسبق لي أن قرأته من قبل لأسباب عديدة يعرفها كثير من الزملاء و الزميلات و هذا موضوع آخر ).
إن اعتقال الصحافيين بالمغرب " متعة " يهواها و يلتذ بها مسؤولو هذا البلد، و لن يتوقفوا يوما عن ممارستها بوعي منهم أو بغير وعي.. بإرادتهم أو بإرادتنا نحن الصحافيين.. و السبب لا يحتاج منا إلى توضيح، لأنه معروف و بديهي.
فالمغرب دولة غير ديموقراطية. و هذه مسألة لا أدعي أنني أول من يكتشفها و يصرح بها.. و مسؤولو المغرب رجال غير ديموقراطيين.. لا يؤمنون لا بالحرية بتلويناتها المتعددة، و لا بالحق في مختلف صوره.. لقد تربوا على " نعمة " الجهل بالحرية و مقتضياتها، و على نصب العداء لقيمة الإنصات للآخر و الاختلاف معه سواء على مستوى الرأي أو الموقف.
صحيح أننا قلنا بعد بداية تجربة " التناوب " على كراسي الحكومة ( ينبغي أن نتفق على أن الحكومة لا تملك أية سلطة تنفيذية، و لا أية صلاحيات من أي نوع.. فجميع حكوماتنا التي اشتغلت بآليات الدستور الحالي و ما قبله، هي حكومات تسيير أعمال و تصريفها لا أقل و لا أكثر ) أن البلاد ستشهد ثورة في مفهوم السلطة، و انقلابا جذريا في التعاطي مع قضايا المجتمع و المواطنة، و استبشرنا خيرا بتعيين عبد الرحمن اليوسفي وزيرا أول، لكوننا سمعنا و قرأنا عنه أشياء طيبة زادت من حصتنا في التفاؤل و الأمل .. لكن عهد هذا الرجل، كان عاصفا ضد الصحافة و الصحافيين، حيث عاشت صحافتنا في ظل حكمه المجازي و الصوري، مذبحة لم نكن نتخيلها أو نتصورها قط، خصوصا من رجل يصف نفسه و يصفه حواريوه ب " الديموقراطي ".. نفس الشي تكرر بعده، بل و على يد عدد من رجال " الصف الديموقراطي " ( كما يحلو لهم قول ذلك ).. و كمثال على ذلك ( و لا أعني الحصر ) أشير إلى أن جميع تصريحات خالد الناصري لا تخلو إطلاقا من كلمة الديموقراطية. لكن يبدو أن ديموقراطية خالد الناصري تختلف بصورة مطلقة عن ديموقراطية أروبا و الغرب عموما، بدليل أن ديموقراطيته اعتقلت إدريس شحتان ( المفرج عنه ) و رشيد نيني ( أطلق الله سراحه ).

إن بيت القصيد في مقالي هذا، هو أن غياب مؤسسة نقابية قوية تجمع صحافيي هذا البلد الأمين تحت لوائها، و تمنحهم كل شروط التربية الديموقراطية، و تعلمهم معنى التضامن و التآزر و الدفاع عن شرف مهنتهم بكل الوسائل المشروعة و الحضارية في السراء و الضراء، ( هذا الغياب ) هو الذي يهين كرامتنا و يضعها في الوحل، و يستصغرنا في عيون الدولة و الحكومة، و يشجعهما على التبول – و بكل طمأنينة و ثقة نفس – على أقلامنا و أفكارنا و آرائنا و مقالاتنا.

كفانا فرقة و احترابا.. إن لحظة الربيع العربي التي نعيشها بعنفوان اليوم، تدفعنا إلى أن نغير ما بأنفسنا داخل حقلنا الصحافي الموبوء اليوم بكل مظاهر الاستبداد ، و الحزبية المتعفنة، و الفردية المريضة و المتعصبة.

كفانا اعتقالا لأنفسنا.. كفانا احتقارا لأنفسنا.. كفانا لقمة سائغة في فم دولة لا  تشبع من عمليات اعتقال الصحافيين، و لا تؤمن بالحرية الصحفية، و تخاف من صحافة تبحث عن غد أفضل، و تكره الظلم و الاستعباد.

بيد أنني، و قبل أن أختم هذا المقال، أؤكد على أن الصحافيين ليسوا ملائكة  يجنحون بأقلامهم في سماء الصواب، بل هم – ربما – أكثر الناس ارتكابا للأخطاء.. غير أن خطأهم مهما تم تكييفه قانونا أو أخلاقا، فإنه لا يستوجب حجب الشمس عنهم بإيداعهم في زنازن باردة و مظلمة.. إن مثل هذه الزنازن توهب لأصحابها المعروفون بنهبهم للمال العام، و باستغلال السلطة و  الشطط  في استعمالها، و بالفساد في البر و البحر و السماء.