حميد زيد – كود ///

يبدو أن التافه المغربي مستهدف.

في حريته.

و في كرامته.

وفي مصدر رزقه.

إذ لا يمر يوم دون أن تعتقل فيه السلطة واحدا منا.

ولا يقتصر الأمر على القواعد. بل إن النظام وقضاءه يحاكمان الصف الأول من التافهين. من قيادتنا. و مشاهيرنا.

دون أي تمييز بين تافه معتدل ويحترم القانون. وتافه متشدد.

وبمجرد عودة تافهينا في المهجر إلى ديار الوطن.

يتم القبض عليهم. وتقديمهم للقضاء.

ما يعني أن التافه المغربي أصبح مزعجا للدولة. ويشكل خطرا عليها.

ليتم للتشهير به.

وما يحز في نفوسنا. نحن التافهين. بمختلف توجهاتنا. وأطيافنا. هو صمت الشعب المغربي المريب.

هذا الشعب الذي كان يتابع لايفاتنا.

ويتحلق حولنا في تيكتوك. وفي اليوتوب…

وبمجرد سقوطنا تخلى المغاربة عنا.

ولم تصدر عنهم كلمة تضامن واحدة.

بل إنهم أصبحوا يتشفون فينا. ويعبرون عن فرحتهم. كلما سقط واحد منا.

كأنهم لم يكونوا يوما مدمنين على ما نقدم لهم من محتوى.

وكأنهم ليسوا جمهورا تافها. وبفضلهم انتشرنا. وأصبح لنا صيت. ومال كثير.

فنحن لسنا ضد القانون.

لكن ليس لأننا تافهون يتم الزج بنا في السجون.

ومحاكمتنا.

في ما يشبه “حملة تطهير” جديدة. تطال أي تافه مغربي. كيفما كان نوعه. وكيفما كان مضمون تفاهته ومحتواها.

ولا يبرر كوننا تافهين كل هذا التشفي. وهذه السخرية منا.

فكم من تافه مظلوم.

وكم من تافه ذكي. ويحترم القانون. ويعرف الحدود المسموح له اللعب داخلها. دون أن يتجاوزها.

وليس من المقبول وضع كل التافهين في سلة واحدة.

ناهيك عن أن التفاهة ليست جريمة. ولا يوجد قانون يعاقب الفرد على إسرافه فيها.

فالتافه بدوره مواطن.

و كأن التافه في المغرب لا حقوق له.

ولا يستحق اهتماما بحالته. ولا بيانا تضامنيا من جمعية حقوقية. ولا تتبعا لملفه. كما يفعلون عادة. حين يعتقل مناضل. أو قلم حر.

ولا من يصرخ التفاهة في خطر.

ولا من يراسل الأمم المتحدة. والمنظمات الدولية.

في ما يمكن اعتباره تمييزا جديدا.

ومعاداة للتفاهة.

من نخبة متحكمة تحتكر الذوق. والمحتوى. والتأثير.

ولا تقبل إلا ذوقها. و محتواها.

وترفض وجود من يختلف معها. مشكلة نظام نخبة استبداديا.

والمؤسف أن نتعرض لحملة التطهير هذه. بينما بلادنا مقبلة على استحقاقات مهمة.

ومحتاجة إلى كل قواها الحية.

وإلى تافهيها. و سطحييها. و عميقيها. وعوامها. وسوقتها. وطبقاتها الكادحة. والمخملية. على حد سواء.

لأن الوطن تشيده سواعد وعقول كل أفراده.

ولن يكون هناك استقرار.

ولن يكون هناك تقدم ونمو.

ولن يكون هناك مونديال ناجح بينما التافهون مستهدفون.

ثم إن الدولة التي تعول على العمق وحده

وعلى الثقافة

وعلى المعرفة

هي دولة تنتج لنا مواطنا معقدا.

وكي يكون المواطن المغربي سليما

وسويا

ومندمجا

و مبتسما

وخلاقا. ومبدعا. ومساهما في نهضة بلاده

فهو في حاجة ماسة إلى محتوى تافه

وإلى فن تافه

وإلى صحافة تافهة

وإلى رأي تافه

وإلى سُخف ولهو ورقص وميوعة

فالعمق لا قاع له

و الذي يقع فيه لا يمكنه أبدا الصعود

مهما كانت معارفه وعلومه غزيرة و ثقافته قوية

بينما في السطح الحياة

كل الحياة.

وقد يتعثر فيه المرء لكنه سرعان ما ينهض.

أما أن يتم تطهير المغرب منا

وأن تتم محاكمتنا تباعا

وواحدا بعد الآخر

فهذا ليس في مصلحة أحد.

ويؤسس لدكتاتورية النخبة

والعمق.

والعبوس.

حيث مجرد نكتة

أو ضحكة

قد تؤدي بصاحبها إلى السجن.

وحيث الأبرياء

هم فقط أصحاب الوجوه المتجهمة

والذين ينظرون إلى كل شيء يحدث في هذا العالم

نظرات شزراء. ومليئة بالادعاء.

وقد تبدو هذه الحملة جيدة للبعض

وقد يقول آخرون إنها جاءت متأخرة

لكن لحم التافه مر.

و ليس لأنه تافه ويروج محتوى سخيفا

يتم استهدافه

و تتم مطاردته

كما كانت تطارد الساحرات.