أحمد عصيد ///

كنت دائما أقول إن من أسباب تأخرنا وتردي أوضاعنا تولية المناصب لمن لا يستحق أو من لا صلة له بالمجال الذي أؤتمن عليه، وقد أشرت منذ إعلان تشكيلة الحكومة الحالية إلى أن تولية السيد مصطفى الرميد وزارة حقوق الإنسان هو من المهازل الكبرى التي لا يمكن أن تعني إلا أمرين اثنين: الانتقام من الرميد وامتحانه بتوليته هذا المنصب الذي يتعارض مع توجهات الرجل وميوله الإيديولوجية التي ليس بينها وبين حقوق الإنسان إلا الخير والإحسان من جهة، ومن جهة أخرى الانتقام من الحقوقيين بتعيين وزير يعاديهم ويعادي قضاياهم من باب المعاكسة المعروفة لدى السلطات المخزنية، لكل معارض أو راغب في الإصلاح أو التغيير.

وتتحقق المهزلة بذهاب وزير إخواني متشدد لتمثيل الحكومة المغربية في جنيف أمام المنتظم الدولي، ليشهد خبراء حقوق الإنسان على مقدار تخلفنا واضطرابنا وترددنا بين العصر الذي نحن فيه وعصور الظلمات البائدة.

أن ينعت وزير حقوق الإنسان المغربي بـ”الأوساخ” فئة من المجتمع تضم مواطنين ينشطون في مختلف قطاعات الإنتاج اليومي، (إذ منهم سياسيون وموظفو الإدارة ورجال ونساء التعليم ورجال ونساء الأعمال وفنانون وفاعلون ونشطاء مدنيون وتجار وصناع حرفيون وفلاحون إلخ..)، وهم جميعا من مختلف الأعمار، أن ينعتهم بهذه الطريقة الساقطة ولا ذنب لهم إلا اختلافهم في الميول الجنسية، فهذا من علامات الانحطاط والهمجية، ومن سلوك الغوغاء البعيد عن التمدن، قد لا يلفت اهتمام أحد لو صدر عن مواطن بسيط وغير متعلم، لكن أن يصدر عن وزير، وأن يشغل هذا الوزير منصب حقوق الإنسان، فهذه غاية الإهانة لحقوق الإنسان، ولتاريخ طويل من التضحيات التي بذلتها عقول كبيرة صنعت مجد وسمو الإنسانية في عصرنا، هذا السمو الذي تجسد في اعتبار الإنسان كرامة وغاية في ذاته أسمى من كل شيء آخر، مهما كان لونه وجنسه ودينه وعرقه وقبيلته وميوله وأذواقه.

نعلم أن معضلة الوزير أنه “إخواني” يغرف من “جوطية” وسخة، فتحت بوابتها منذ ثمانين عاما بمصر، عمادها الكراهية والرغبة في الانتقام من العصر كله، وعقيدتها احتقار النساء وكراهية اليهود وبغض المثليين والنفور من الفنون الجميلة والميل إلى القسوة والغلظة على عادة أجلاف الأعراب، وعشق الظلمة والألوان الداكنة، وإسقاط الماضي على الحاضر، وحب التقليد وكراهية الإبداع والتغيير، نعرف هذا كله، لكن المشكل هو أن يصبح من هذه عقيدته الإيديولوجية وزيرا يستغل منصبه ليصادر حريات الناس بجرة لسان معطوب. لقد حاول الوزير أن يبت أوساخه في القانون الجنائي المغربي، وحاول صرف النظر عن قضايا الفساد التي زكمت الأنوف، وانتقم من الشرفاء الذين أظهروا ضعفه وقلة كفاءته عندما كان وزيرا ” للعدل والحريات” (وعاشت الأسامي! )، وها هو اليوم يستعرض عضلاته الإخوانية بدون تحفظ ليشيع الكراهية ضد مواطنين أبرياء، لا يمسون بحقوق غيرهم، ولا يتطاولون على أحد، بقدر ما يكشفون عن أعطاب وعينا التقليدي، ونفاقنا المقرف، وثغرات قوانينا التي لا تأخذ بعين الاعتبار حقوق الناس في اختيار نمط حياتهم.

إن كل خطوة يخطوها بلدنا في درب التحديث والدمقرطة الطويل والصعب، بحاجة إلى أن يختار لها رجالها ونساءها الأكفاء، ليقوموا بتفعيل مكتسبات الحاضر في اتجاه المستقبل، وإن تعيين أشخاص في غير مكانهم الطبيعي، لهو من أسباب التردي والتخبط الذي نعيشه، لأنهم يعيشون نكوصا مزمنا في عقولهم، يريدون له أن يصبح نكوصا للبلد بكامله.