ارتبك محمد يسف، أمين عام المجلس العلمي الأعلى، حين سئل عن موقع الفتوى من التشريع قبل أن يعترف صراحة بأنه يعتقد أن الفتوى الصادرة عن مجلسه (والذي يرأسه الملك) يجب أن تكون ملزمة للدولة. وهو اعتراف مدهش نظرا لأن الفتوى موضوع السؤال الذي طرح على يسف ليست سوى “قتل المرتد” الذي دعا إليه فقهاء المجلس في ردهم على استشارة من المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان.
في حواره مع جريدة “أخبار اليوم المغربية” (عدد الجمعة 21 يونيو 2013) قال يسف “إذا طلبت الدولة حكما شرعيا من الهيئة العلمية للإفتاء فإن هذه الأخيؤرة تعمل من أجل ذلك، ومفروض في الدولة كذلك أن تلتزم بالفتوى ما دامت قد طلبتها. ويصدق القول نفسه حين تطلب منظمة أو مؤسسة فتوى / حكما شرعيا من الهئية العلمية، فالأصل أنها تطلبها لتلزم بها.”
لكن يسف عاد ليتدارك الموقف معترضا على نفسه “لكن الفتوى في أصلها ليست ملزمة، وبذلك تختلف عن القضاء الذي هو أمر ملزم.”ḷ
وفي ما يشبه الدخول والخروج في “الهضرة”، كما في العبارة الدارجة البليغة، أضاف أمين عام المجلس العلمي الأعلى قائلا “الهيئة العلمية عندما قالت إن هذا هو حكم الشرع في قضية المرتد، لم تطلب من الجهة السائلة تطبيق حكم الردة على المرتدين، لأن الحدود في الشريعة لا يطبقها الأفراد، بل الدولة. وفي حالتنا، فإن أمير المؤمنين هو الذي يقدر إمكانية تطبيق هذا الحكم من عدمه. وتطبيق أي حكم في الشريعة مشروط بالنظر في العواقب والمآلات، لأن الحدود لا تطبق في كل الظروف والأحوال، إذن، فالهيئة بينت حكم الرشع، وهذا هو دورها واختصاصها.”
يحسب لأمين العام المجلس العلمي الأعلى تذكيره أن “الحدود لا تطبق في كل الظروف”، وهذا تصريح معتبر مقارنة بدوغمائية الكثير من الأصوليين الذين يجاهدون لإقامة دول تطبق فيها عقوبات وحشية تجاوزها الزمن بدعوى صلاحية الإسلام لكل زمان. وهي قراءة حرفية للنصوص الدينية، تتناقض حتى مع اجتهاد الصحابة الذين أوقفوا تطبيق أحكام شرعية لتغير الظروف.هكذا، مثلا، كان اجتهاد الصحابي الجليل أبو بكر الصديق حين امتناعه عن منح الزكاة لفئة المؤلفة قلوبهم، رغم أن القرآن الكريم يأمر باستفادة هذه الفئة من أموال الزكاة إضافة إلى سبعة فئات أخرى، كما هو معلوم.
لكن محمد يسف لم يمض في هذا الاتجاه المطلوب لمواجهة الأصوليين الحرفيين، وسرعان ما ارتد على عقبيه ليقول كما قال سيد قطب وأسامة بن لادن، (وكما فعل الإرهابي يوسف فكري مثلاḷ) إن قتل المرتد هو “حكم شرعي بينته الهئية العلمية”. المشكلة فقط في نظر يسف أن تطبيق هذا الحكم يبقى رهينا بـ”تقدير أمير المؤمنين”. ما يعني ببساطة شديدة أن أمين عام المجلس العلمي الأعلى يقول للمواطنين، إذا ارتد أحدكم عن الإسلام ورأى الملك أنه يجب إعدامه، فسيعدم. وانتهى الأمر.
الآن، يبدو من المستبعد جدا أن نبلغ هذا المستوى من العبث بالنظر لأن في البلاد دستور وقانون جنائي ومسطرة جنائية وقضاء ابتدائي واستئنافي… ومؤسسة تشريعية. ومن المعلوم أن الحكم بالإعدام لا يمكن أن يصدر إلا عن القضاء في الجرائم التي ما يزال القانون يعاقب عليها بهذا الحكم المنافي لقيم العصر. فهل ينطق محمد يسف عن هوى؟
أغلب الظن، أن أمين عام المجلس العلمي الأعلى يريد بعث رسالة للمواطنين يقول لهم فيها إن الملك في نهاية المطاف يمكن أن يكون فوق الدستور وفوق القانون وفوق البرلمان وفوق القضاء باعتباره “أميرا للمؤمنين”، وأن مسار البلاد الطويل وغير المضمون نحو الديمقراطية لا يجب أن يتجاوز هذا السقف مهما كان الأمر.
وهذا تأويل غير ديمقراطي للدستور، خاصة وأن الفصل 41 من الدستور الذي يحصر السلطة الدينية بين يدي الملك (من خلال رئاسته للمجلس العلمي الأعلى تحديدا)، لا يحدد بوضوح مجال إصدار الفتوى. هل ينحصر في شؤون الدين، أم يمكن أن يشمل شؤون الدنيا التي يتصدى لها مبدئيا المشرعون في البرلمان والحكومة.