يبدو أردوغان كلاعب شطرنج خارج الزمن وداخله، خارج الرقعة التي يموت فيها الملوك والملكة وتنهار القلاع ويخرج المجنون من جغرافيا اللعب.
هذه الحياة في البين بين، تجعله يعيش بين أوروبا والشرق، منفتحا على أضواء الغرب وبرودة وصحراء الشرق وسحره، ويقيم أيضا ما بين التدين والسياسة، فلا هو يسعى إلى أن يضع على رأس السياسي عمامة، ولا ينوي أن يضع بين يدي العالم حاسوبا وبيانات، ويقيم أيضا بين الحلم الديني للدولة والحلم الدولتي للدين، ولا يرى أن بالإمكان الاختيار بين السيف والعمامة.
لقد استطاع أردوغان أن يجعل الشاي والجعة يتعايشان في ثلاجته، بدون أن يفرض على الشعب التركي خياراته، لكنه أقنع بها كل الذين يصوتون. واستطاع البقاء على عرش تركيا وبابها العالي مدة أطول بكثير حتى من لدن أحزاب ديموقراطية عريقة.
لماذا؟
لأنه أراد أن يكون حاملا لقيم مجتمع في طريق التحول وألا يميل إلى التاريخ أكثر مما يميل إلى الحاضر ولا أن يقايض الرخاء الاجتماعي بتراتيل القناعة الدينية المتقشفة.
وهو اليوم يقدم نموذح الدولة الإسلامية المنبت التي تدخل العالم الحاضر بدون شعارات كثيرة حول الهوية.
لا نستطيع القول بأنه يفوز تحت راية الهوية، وهو يشتغل تحت راية دستور معروف ويملك كل القوة المؤسساتية.
وهو يسعى إلى العمل تحت راية هذا الدستور من أجل تغييره ربما.
ولا أحد يراهن على أنه سيغيره بما يجعله يعطل الالتحاق بأوروبا وبقوانينها.
أردوغان الذي يقيم علاقة استراتيجية مع إسرائيل، لم يحاول أن يبيع السلام الوهمي، أو حتى الاستسلام الحقيقي لإسرائيل، كما فعل كثيرون من العرب.. ومنهم فرعون مصر.
نموذج أردوغان يحب أن يدرس بحكمة وبتاريخية.. فبين التاريخ والجغرافيا لا يضطر إلى الاختيار، بل يجتهد لكي يعيد بناء الجسور التي قطعها الباب العالي أو قطعها الكماليون. ويصر على أن الديمقراطية أمر دنيوي يصلح للمسلمين أيضا، الذين لا يمكن أن يوضعوا دوما بين خيار المستبد أو ولاية الفقيه، بين الماضي، والمستقبل العائد في لفافاته.
6/16/2011