حميد زيد – كود ///
أخذوا خروفه.
أخذوا دوارته.
أخذوا رأسه. و كراعه. وفحمه.
أخذوا علفه.
أخذوا قلبه و كبده.
أخذوا حبيبته الصغيرة.
وقالوا: أنت ذابح.
**
**
**
وليعذرني محمود درويش.
وليعذرني الكاتب التشيكي ياروسلاف هاشيك. وبطل روايته الساخرة”الجندي الطيب شفيك”.
وليعذرني الخيال.
فالواقع المغربي تفوق على كل سخرية.
وعلى كل خيال.
و “على الفنون جميعها”.
**
**
**
فقد كان رجال السلطة يفتشون البيوت في الماضي.
ويحجزون المناشير. والبيان الشيوعي. وصور ماركس ولينين. والرايات الحمراء.
وكانت السلطة تراقب الاجتماعات السرية.
ومع من تلتقي. ومع من تجلس.
وماذا تقرأ.
وبعد موت الإيديولوجيا.
و بعد المصالحة.
وبعد طي صفحة الماضي.
صار رجال السلطة يفتشون البيوت والكراجات.
ويحجزون الخراف.
والدوارة.
ويخرجون حاملين الرأس.
والفحم.
والتبن.
**
**
**
فأي أدب مغربي يمكننا أن نكتبه بعد هذا.
وأي شعر.
وأي رواية.
وأي سينما يمكننا أن نصورها.
فقد تفوقت السلطة المغربية والمواطن المغربي على كل الآداب وكل الفنون.
وعلى الدادائية.
وعلى العبث والسريالية.
ولم يعد بإمكان المبدع المغربي أن يبدع أي شيء.
بعد هذه الملاحم التي أبدعها المغاربة في واقعهم اليومي.
**
**
**
وبعد أن كان المغربي يخبىء الثوار في بيته.
و يخبىء رجال الحركة الوطنية.
والسلاح.
والكتب الممنوعة.
صار اليوم يخبىء الحولي
فيسمع رجال السلطة ثغاءه
و تتحرك دورياتهم للقبض عليه.
**
**
**
طردوه من كل الأسواق والضيعات والكراجات.
منعوا عن خروفه الحنطة والشعير.
فتشوا عنه في البيوت والصالونات والمطابخ.
أغلقوا في وجهه أبواب الگرنات.
جعلوه مثل قطعة حشيش.
ومثل كل الممنوعات.
**
**
**
فيا للخيال المغربي.
ويا للإبداع.
ويا لغرابة الواقع و عجائبيته.
فرغم حقيقة المشهد. فإنه لا يصدق.
وفي الجبل.
وفي السهل.
وفي الأزقة والأحياء يحاول مغربي ما أن يبيع خروفا.
أو يشتريه.
أو يهربه
أو يدخله إلى بيته.
لكن المخزن له بالمرصاد.
**
**
**
فغنِّ أيها المغني.
وردد أيها الكورس.
يا خروفي ثغاؤك قاتلي.
يا حبيبي
وكبدي وقلبي
اصمت قليلا
حتى يمر العسس والوشاة وأعوان السلطة.
**
**
**
هذا الدخان المتصاعد في السماء ليس لي.
هذا الفحم ليس لي.
هذا الدم ليس لي.
هذه الروائح ليست لي.
هذه الأسياخ ليست لي.
هذا البصل لي.
هذا الكبش لي.
لا شيء لي.
وأنا لست لي.
**
**
**
مَنْ.
من يكتب مثل هذه الملحمة المغربية.
من يخلدها.
من يصف المغربي الآن.
من يعبر عنه.
من يصور السلطة في المغرب وهي تعتقل الحيوانات.
من يحسب عدد الدوارات التي تم بيعها.
من ينقل لنا المشهد كما هو.
من يجرؤ بعد الآن على أن يسمي الواقع المغربي واقعا.
والسلطة المغربية سلطة مغربية واقعية.
بل إننا نعيش إسرافا في كل شيء.
ومبالغة في خيال السلطة. وفي خيال المغرب.
بل إننا نعيش في عالم غير قابل للتصديق.
وقبل الدولة
وبعد الدولة.
**
**
**
في هذا العالم يسافر المغربي إلى الخروف.
ويبكي سائق التاكسي بسبب الدوارة كما كتبنا في موقع كود.
في هذا العالم غير الواقعي
يتم البحث عن الخروف في كل مكان
و يهرب المغربي
ويبتعد
ويأخذ مسافة كي يحصل عليه.
بينما يلاحقه المخزن.
تابعا الثغاء
والدخان
إلى أن يقبض عليه.
**
**
**
في مثل هذه الملاحم كل النهايات ممكنة
وقد تمطر السماء خرفانا.
وقد يضحي عون السلطة
وقد يغض الطرف مستسلما
وقد تأتي معجزة صباح العيد
وقد يحصل كل مغربي على دوارته
وبمجرد أن يفتح ثلاجته
تتدلى كرشها
مثل الساعة في لوحة دالي.
**
**
**
أخذوا خروفه.
أخذوا دوارته.
أخذوا رأسه. و كراعه. وفحمه.
أخذوا علفه.
أخذوا قلبه و كبده.
أخذوا حبيبته الصغيرة.
وقالوا: أنت ذابح.
**
**
**
غنوا
غنوا معي أيها المغاربة
نشيد عيد الأضحى
وخلدوا معي هذه اللحظة
واكتبوها معي
كي يقرأها أحفادنا
وكي يعرف من يأتي بعدنا كيف كنا نتصرف
وكيف كانت تتصرف السلطة
قابضة على الخروف
ليحافظ من يأتي بعدنا على الإرث
وعلى هذه الروح المغربية التواقة إلى اللحم.
**
**
**
كأننا شعب من خيال
وكأن سلطتنا من خيال
وكأننا معنا نصنع عيدا مثيرا
وكأنه أول عيد
وكأنه آخر عيد.
وكأنه البداية والنهاية معا في حياة واحدة.
حياة مغربية لا تشبه أي حياة أخرى.
وفي يوم واحد.
يوم مغربي ليس كالأيام.
وفي ثقافة
وفي حضارة كل شيء فيها يدور حول الدوارة.
فليفّ المغربي حولها
ولا يتوقف
في عود أبدي
لا تأثير للوقت فيه
ومهما ظهرت من اختراعات
ومهما تطور العصر
ومهما تغيرت الزمنة
ومهما اشتدّت الأزمات
يظل المغربي يدور دورته
ولا يبرح مكانه.
وتدور معه سلطته
في مطاردة
هي الأخرى أبدية
لا بداية لها
ولا نهاية.