لنبدأ بالأب. نور الدين الإشهاري الذي سبق له وقال للمغاربة إنه يستطيع دفعهم دفعا نحو الإقبال على الانتخابات والانخراط في الفعل السياسي بحماس كبير. تتذكرون "2007 دابا" والقوافل التي جابت المدن المغربية حاملة النبوءة بأن إقبالنا على الانتخابات سيكون أفضل مايمكن أن يقع لنا على الإطلاق. رد المغاربة على تلك الحملة بالعزوف أكثر عن الانتخابات, وأدت الدولة "فاتورة مملحة", مثلما يقول الفرنسيون في تعبير لا أعرف إن كان يصح أن ينقل هكذا إلى العربية, وانقضى الفيلم أو كاد أن ينقضي. سوى أن خروج نور الدين مع شباب العشرين من فبراير إلى الشارع من جديد ذكر الناس به, وللتدقيق أكثر ذكر به جهة من داحل الدولة هي التي تشن عليه حملة هذه الأيام, وتستل له الصفقات الحقيقية والوهمية من الأرشيف إياه, وتضعها على الصفحات الأولى للجرائد.
عيوش يقول إن من حقه أن يدافع عن مصالحه المادية والشخصية خصوصا وقد اقترب القطاع الإشهاري الذي كان يعد أحد المتحركين الأساسيين فيه في لحظة من اللحظات من السقوط بشكل كامل في يد محمد منير المجيدي الكاتب الخاص لجلالة الملك, ما جعل الإشهاريين على طول المغرب وعرضه يعبرون عن خوفهم المشروع من هذه "المنافسة" غير المتكافئة, وعن استعدادهم لمغادرة الميدان, لأن البقاء فيه لم يعد ذا معنى على الإطلاق (شكون غادي تنافس؟ الكاتب الخاص ديال الملك؟ وفين؟ فبلاد بحال المغرب؟ مستحيل)
لنمر إلى الإبن الثاني. إسمه نبيل, خاصيته أنه ورث عن أبيه حاسة العثور على الصفقات المربحة لكن في مجال آخر هو المجال التلفزيوني والسينمائي. يتذكر من يتابعون الميدان الأول أن الفتى ظل حاضرا باستمرار في كل الصفقات التلفزيونية الكبرى في البلد من "للا فاطمة" السلسلة الدوزيمية بجزأيها, إلى "زينة الحياة" التيلي نوفيلا ذات المائة وعشرين حلقة التي تبثها القناة الأولى منذ 4 أبريل الجاري والتي تعد أطول مسلسل مغربي على الإطلاق.
أطول بمعنى أغلى, ولعبة الأغلى هاته هي اللعبة التي يتقنها أكثر نبيل بقدر إتقانه للفعل الإبداعي الذي يجلبها إليه, أو ربما أكثر قليلا. بين الصفقتين كانت هناك صفقات كثيرة, لكن أكثرها إثارة للجدل هي صفقة "صنع في المغرب" الشهيرة أو "أنديستري فيلم" والتي تم بموجبها منح ثلاثين فيلما (قيل إنها تلفزيونية ثم قيل إنها سينمائية ) لنبيل في صفقة ضخمة للغاية دون طلب عروض أو ماشابه. حينها قال فيصل العرايشي الرئيس المدير العام للتلفزيون إن الأمر "لم يتطلب طلب عروض لأن نبيل اقترح علينا فكرة لامعة وبالتالي قبلناها مثلما تفعل كل شركات الإنتاج الأخرى", مع فارق بسيط هو أن المبلغ كان كبيرا للغاية, وأن الفكرة لم تك باللمعان الذي اعتقد العرايشي حينها أنها بلغته.
حين شاهد المغاربة الأفلام الثلاثين أو الأفلام التي وصلت إليهم منها, لأن سؤال الثلاثين لازال مطروحا, تساءلوا بالفعل : واش هادي هي الصناعة السينمائية مثلما نسمع عنها في العالم الفسيح؟ لم يجب أحد عن تساؤلاتهم, إذ من يأبه في الختام بتساؤلات أناس لايفهمون, ولا يريدون أن يستوعبوا المتحكمات الحقيقية في الأمور.
نصل الآن إلى آخر العنقود. هشام. هو اليوم يصنع الحدث لنه يريد تصوير مظاهرات ووقفات 20 فبراير دون ترخيص, وهو يقول للصحافة الفرنسية إن المغرب "دولة بوليسية لأن البوليس يعترضني في الطريق ويمنعني من التصوير". الكل يتذكر أنه صاحب نكتة "أحلم بأن أصبح رئيس جمهورية المغرب", والكل يتذكر أن أحدا لم يعاقبه لأنه بكل بساطة إبن نور الدين وأخ نبيل, وسليل هذه العلاقات المتشابكة التي تحكم في البلد. السؤال اليوم الذي يطرحه العديدون هو : أي لعبة بالتحديد يلعبها هشام لصالح آل عيوش؟
لاأحد يصدق أن اللعبة الحالية هي لعبة مجانية, فالعائلة الكبرى تعودت أن تعثر على المال في ثنايا كل التحركات التي تقوم بها, وتعودت على العثور على ماهو أهم من المال: موقع في كل الأحداث التي تجري في البلد, مهما اختلف الفاعلون فيها. هل هي مجرد تحركات جديدة في نفس الإطار؟ لنتابع وقد نعثر يوما على الجواب.