جبلت منذ صغري على التسرع،أخف مما كتب لي من رزق، كما يحلو لوالدتي أن تنعتني، أو تسبني…لا أنتظر استواء الأمور للأخذ بها، و لا نهاية الحكايات كي أستفيد منها…
 
انطلاقا من هذه الخاصية،أو من هذه الخصلة المعيبة،قررت أن أستبق الأحداث ، و أتصور مغرب ما بعد الدستور الجديد،من خلال الملامح القليلة التي تسربت عنه، إثر اللقاء التشاوري بين الأحزاب الوطنية، و النقابات من جهة و رئيس آلية المواكبة برئاسة المعتصم و رئيس الآلية الاستشارية السيد عبد اللطيف المنوني…
 
تركز الأحزاب السياسية على مكسب تعيين الوزير الأول من الحزب الفائز الأول بالانتخابات التشريعية، خاصة ما يعرف منها بالأحزاب الكبيرة انتخابيا، و ليس جماهيريا،مما يعني أن مغرب ما بعد الدستور الجديد، سينتفي معه المغص الذي يصيب الأحزاب الكبرى ، إثر إعلان نتائج الانتخابات،و سنتعرف على الوزير الأول مباشرة بعدها، و سنتفي مقولة الاشتراكيين حول المنهجية الديمقراطية، لتحل محلها المقولة المنونية، المنهجية الدستورية….
 
الوزير الأول بهذه الصفة،سيشكل أغلبيته دون انتظار الضوء الأخضر من القصر،و لن يتلقى ورقة مكتوبة في ضريح مولاي إدريس الأكبر بفاس،تتضمن لائحة الوزراء….بل سيحددها وفق منظوره للتحالفات التي ستسعفه في قيادة الجهاز التنفيذي ،و بعدها سيقترحها على الملك…..
 
يبدو أن الإقتراح هنا شكلي،إذ أن الصيغ التي تسربت حول الدستور، تتكلم عما سمته بالاقتراح النافذ،مما يعني أن ملك البلاد سوف يخبر باللائحة، و لن يكون له صلاحية تغيير أعضائها أو تقليص عددهم…هذا ما تتحدث عنه الوثيقة، بالنسبة للممارسة الواقعية، أعتقد أنه يلزمنا الكثير من الوقت ، كي تتخلص بعض الأحزاب، من عقدة الرعاية المولوية السامية،و من تشفير خطابات الجهات العليا…مما ينذر بأن ممارسة التداول في الأسماء بين القصر و الحزب الفائز ستستمر …لحين ثورة ثقافية تقطع معها…
 
تتحدث الوثيقة عن سلطات الملك الدينية،حيث سيمارس اختصاصاته الدينية بظهائر، كأمير للمؤمنين،لا مشكل هنا في مغرب ما بعد الدستور الجديد،و في وجود ملك رسخ في أذهان المغاربة ، طبيعة شخصيته الحداثية و المعاصرة…لكن بما أن النص مجرد ، و لا يتحدث عن الأشخاص بل عن المؤسسات و المناصب، فيبدو لي ، لا قدر الله، أن الملك بصفته أميرا للمؤمنين،له أن يصدر ظهيرا يأمر فيه، انطلاقا من كونه أمير للمؤمنين،تطبيق الشريعة الإسلامية مثلا ،أو ظهيرا يحرم به سفور المرأة و ضرورة ارتدائها للحجاب،و هي كلها قرارات تبرهن هذا التداخل بين التشريع المدني و التشريع الديني بالنسبة للإسلام خاصة…مما يعني أنه كان يجب أن يتم التنصيص على فصل الدين عن الدولة بشكل قطعي،أو تحديد ممارسة السلطات في المجال الديني بواسطة ظهائر و بما لا يتعارض مع أسس الدولة المدنية….
 
تتحدث الوثيقة عن مسؤولية الوزير الأول و الحكومة المنتخبة على كل مناحي السياسية و الاقتصادية بالبلد، و الجميع يعلم أن هناك مشاريع تمت، أو لا زالت في طور الإنجاز،وهناك صناديق و حسابات لا تشرف عليها الحكومة الحالية،و لم يتم الحديث عن الآليات التي ستعتمد كي يتم تمرير تسييرها من شكلها البلاطي القديم للشكل الحكومي المؤسساتي،مع كل ما يرافقها من وسائل العمل و بروتوكولات التدشينات الأولية و النهائية….بمعنى هل سيستمر الملك في جولاته و صولاته عبر البلاد، ليشرف بنفسه على تدشين قناطر و دور للطلبة و مجمعات سكنية،بما يرافق هذه الجولات من تحرك جماعي للأجهزة الأمنية، و المؤسسات الحكومية و الغير حكومية، و من مصاريف و تكاليف باهظة؟؟؟
 
معذرة مرة أخرى، ربما أنها "الزربة" في استشراف مغرب ما بعد دستور المنوني،في وجود قناعة لم أستطع التخلص منها، ربما لعدميتي، كون الوثيقة الدستورية لا تعني شيئا، أمام غياب ثورة ثقافية عمودية ، تخترق كل الطبقات و كل الفئات الاجتماعية، و كل المستويات السياسية الحزبية منها و ما اصطلح عليه بالجهات العليا، و أخرى أفقية تقوض كل البنى العتيقة داخل كل فئة على حدا…و كل دستور و نحن حالمون.