الرئيسية > آراء > عنترة … مختفون و أشياء أخرى
31/05/2016 23:25 آراء

عنترة … مختفون و أشياء أخرى

عنترة … مختفون و أشياء أخرى

محمد فكراوي//

كان الوقت متأخرا حين دق على الباب. ربما ما كان علي أن أفتح, لكني فعلت و وجدته أمامي. سألت: “شكون الأخ؟”.. لكن قبل أن يرد أو أنتبه إلى شكله الغريب كان قد سبقني إلى الداخل… أعترف أني بدأت لحظتها أشعر بغير قليل من الخوف, فلست ممن يفخرون بأمجاد ضائعة في العراك و القتال, زد على ذلك أني كنت وحدي في غرفتي الخالية على عروشها.. وحدي إذا استثنيت قطا عجوزا يعاني حالة اكتئاب مزمن جعلت حتى الفئران لا تقيم له اعتبارا… تمعنت فيه بتوجس. كان أسودا طويل القامة عريضها و لولا لباسه العربي الغريب لبدا كأحد لاعبي كرة السلة الأمريكان. أما هو فظل يجول ببصره في الغرفة دونما اهتمام, قبل أن ينطق كلمة واحدة: “عبلة”..

تنفست الصعداء أخيرا, فقد تعودت على تائهين من هذا النوع. شرحت له أنه أخطأ الباب, وأن منزل عبلة الشوافة يقع في الجهة المقابلة من الزقاق…نظر إلي باستغراب, خمنت أنه ربما لم يفهم كلامي جيد, فأعدته عليه, لكن دون جدوى، قبل أن أتجرأ و أكرر عليه السؤال: “شكون الأخ؟”…تطلع إلي بانزعاج كأنما ينكر على شخصي المتواضع جهل شخصه العظيم, و قال باعتداد: “عنترة…عنترة بن شداد العبسي”.

كنت متأكدا أني لم أقرب حانة الشامي ليلتها، احترامي للربعين التي تسبق رمضان فلعنت في سري ابن آدم و الغش الذي لم تسلم منه حتى السجائر البريئة و جعلني أتخيل اشياء خيالية… أما هو فواصل حديثه بعفوية الصحراء كأني أعرفه من أيام كانت ألعب الكرة في الحمري:”لقد رأيت نور خيمتك مشعا في هذه المدينة التي يأوي أهلها إلى النوم قبل دجاج مزارعهم, فطرقت بابك”…

كان يتحدث بعربية فصيحة لم أتعود عليها إلا في الفضائيات المشرقية, و ولولا بشرته السوداء الداكنة لقلت أنه أحد أبطال إحدى المسلسلات المكسيكية جاء لينقل احتجاج بني جلدته على دبلجة حلقاته العجيبة إلى تامغرابيت…فابن شداد, على حد علمي, قد مات قبل أن يولد جد جدي الأول, و حتى قبل أن تفكر بعض قبائل الصحراء في الهجرة إلى المغرب الأقصى السعيد.. لكن شيئا ما في داخلي قال لي أن أصدقه و أكذب كل ما تعلمته, فاحتفظت بشكوكي لنفسي, و تسمرت في مكاني أنظر إليه ببلاهة و هو يسرد سيرته الجديدة في مدينتنا التي أشبعها سبا و شتما…

لم أدافع على المدينة لأن رأيي فيها لم يكن أقل سوءا من رأي السيد عنترة بن شداد. و لكني سألته أي ريح حمقاء رمت به أمام بيتي في تلك الساعة المتأخرة, فقال أن عبلة خرجت و لم تعد و أنه لم يترك قبيلة و لا ربعا إلا وبحث عنها فيه, فقطع الصحراء طولا و عرضا, من قحطان إلى ذبيان, و من شيبان إلى عدنان, و بلغ حتى أراضي فارس و بلاد الرومان، و استمر في البحث و الجولان حتى أوصلته قوائم جواده إلى هنا…ثم انفجر باكيا.

من قال أن الرجال لا يبكون؟…حتى عنترة, هذا الجبل الأسود ( ليس الدولة السلافية) ها هو ذا ينتحب أمامي بحرقة كالأطفال…انتظرته حتى انتهى و رميت له منديلا, ثم أشعلت سيجارة.نظر إلي بفضول, فسألته إن كان يدخن, و دون أن أنتظر جوابه أشعلت له واحدة. توقعت أن يكح أو يسعل كما في الأفلام المصرية الرديئة,لكن لا شيء من ذلك حصل, بدأ الرجل يدخن كما لو كان مَبْلِيٍّا من أيام كان يرعى الجمال في الصحراء… فكرت أن الإدمان ربما كان خاصية عربية قديمة, فتركته ينفث دخان سيجارته في صمت…

فجأة قفزت إلى خاطري فكرة, لم أضع وقتا وبدأت أشرحها له على الفور. قلت:” اسمع…في زمننا الأغبر هذا هناك صندوق عجيب فيه أخبار الدنيا كلها يسمونه التلفزيون, و لا تسألني المزيد عنه فلا أعرف أكثر مما قلت…المهم أن هذا الصندوق ربما يستطيع مساعدتك في العثور على الآنسة عبلة. و لكن قل لي أولا أ هي آنسة أم سيدة؟”, لم يجب عن تساؤلي، بل بادر بالقول :”و كيف أصل لأصحاب هذا الصندوق العجيب؟”, فقلت:”عليك بالدار البيضا.

_ الدار البيضا؟ أ هي ذاك البناء الأبيض وسط المقبرة هناك؟

_لا لا…ذاك ضريح ولي الله سيدي بوتزوكاعت.

_سيدك ماذا؟

_ لا عليك, اسمع…هناك مدينة أخطر من صحراء الثلث الخالي. فيها رهط سيساعدونك في العثور على الأخت عبلة حتى لو كانت فاقدة الذاكرة في إحدى خيريات زنجبار…فقط عندما تصل هناك اطلب مساعدة برنامج مختفون بدوزيم عين السبع.

_ و لكني لم أر سبعا و لا ضبعا في دياركم, فقط بعض الكلاب هنا و هناك.

_تلك فقط أسماء يتداولها الناس مثل عين اللوح و عين أسرون و غيرها.

_فهمت قل لي كيف أصل إليها و سأفعل حتى لو كانت في عين الغول. و لكن ما أسردون هذا الذي قلت؟

_دعك من أسردون الآن و حدثني قليلا عن عبلة, هل هي جميلة حقا إلى ذاك الحد؟”

قلتها و أنا أريه مفاخرا صورة “الصاطة ديالي” على الفيسبوك ,فلست كل يوم أري صورتها لشاعر مشهور مثل السيد عنترة بن شداد. قلت له :” آش ظهر ليك مانكان ياك؟” انتظرت أن يطري على ذوقي في النساء ,بل ربما يزيد في كرمه و يقول فيها بيتا شعريا أو بيتين أتبجح بهما أمامها. لكن, الأعرابي ابن الزانية, فاجأني:” و ما بالها نحيفة مثل شيبوب؟ إنها لا تساوي أكثر من ثلاثة دنانير فضية في سوق الحريم, دعك منها و سأهديك عشرة جواري خير منها إن قدمت يوما لمضاربنا”. كان كلامه جارحا, فلم أشعر بنفسي إلا و أنا أرد عليه بكلام أوسخ و أقذر منه, فقد أقبل أن يزعج نومي و لكن لن أقبل أبدا أن يهين لالاّه بهذا الشكل.

ازداد لون الرجل سوادا و عادت دموعه لتنهمر من جديد…فلم أقدم له المنديل ولم يمسحها. قبل أن أستغفر الله وأرق لحاله. فحولت مجرى الحديث و سألته أن يصف لي عبلته, فمنذ صغري و أنا أجاهد لأرسم لها صورة في خيالي. أمر على ما يبدو ارتاح له ضيفي, فأشعل سيجارة, ثم تنهد وبدأ الوصف العجيب:”إنها أجمل مما قد تكون رأت عيناك,طولها حوالي الذراع و النصف, و عريضة هكذا (و فتح ذراعيه على عرضهما),بوركين مهولين يحجبان الشمس و يسدان باب خيمتك”.

تطلعت إليه بذهول و هو يواصل الوصف العجيب,حتى شككت أنه لم يسمع سؤالي جيدا و أنه يصف إحدى شيخات الأستاذ الستاتي. فلا يٌعقل أن تكون هذه الكوفرة مبررا لكل تلك الأشعار الجميلة و الحروب التي أشعلها في مشارق الأرض و مغاربها. و لكن عدلت عن رأيي و فكرت أنه ربما كان عاديا أن يراها جميلة بحكم الصحراء و الكبت, بل ربما يكون السحور أو التوكال هو السبب, وأنه ربما كان من الأفضل له لو قصد جارتي عبلة الشوافة بدل مواصلة البحث عن عبلته التي تسد مؤخرتها الباب و تحجب نور الشمس, و التي في الغالب هربت مع أعرابي آخر مهاجر لبلاد الروم للعمل في حقول ماطيشة و التوت.

أما هو فانتصب فجأة كأنما الحديث عنها أشعل فيه نارا لا ترى, و قال: ” يجب أن أرحل إلى الدار البيضا”.طلبت منه أن يبقى حتى الصباح لكنه رفض بشدة,فأهديته ما تبقى في علبة السجائر كتذكار و ودعته ناصحا: ” احذر أولاد الحرام فما أكثرهم, و لا تشهر سيفك إلا للضرورة، فعندنا قانون مكافحة الإرهاب”…

موضوعات أخرى

29/03/2024 09:50

ماتش الكوكب والحسنية.. تابعوه 20 ألف واحد وولاية أمن لمدينة لحمرا سخرات 1270 بوليسي وها شحال تشدو

29/03/2024 09:42

السينمائيون يهاجمون بنسعيد: كاين تراجع فالمكتسبات للي تحققات فحكومات سابقة وخاص حوار جاد ومسؤول باش نتجاوزو الأزمة

29/03/2024 09:15

الوداد طواو صفحة الناصيري وطلعو البرناكي كرئيس 20 فتاريخ النادي ودارو مليون للي بغا ينخرط

29/03/2024 09:00

علاش الاتحاد الأوروبي كيلعب لعب خايب مع المغرب وكيشكك فالسلع الفلاحية ديالو؟