حميد زيد كود /////

من أين جاء ناصر الزفزافي.

من أي وقت وأي عصر جاء هذا الشاب.

غالبا جاء الزفزافي من زمن لم تكن فيه هناك دولة.

جاء من فترة قديمة، ومن تاريخ سحيق، لم يكن فيه قانون.

جاء من مكان لم تظهر فيه المدينة بعد.

جاء من زمن القبيلة والعشيرة ومن زمن الأبطال.

وجاء من داخل قناة الجزيرة، كأنه خارج من فوضى اليمن، ومن الأرياف، التي تغطيها قطر بكاميراتها.

جاء من “الحراك”

جاء من معجم الشرق البدوي.

جاء من احتجاج يواجه المدينة ليبني الخيام، وليعود إلى ما قبل الدولة.

وإلا ما معنى الحراك.

من يدلنا على معنى هذه الكلمة التي جاء بها الإعلام البدوي. وإعلام القبيلة. وإعلام المذهب.

وتلقفناها نحن. واستخدمانا كأنها بريئة. وكأنها ابنة هذا العصر.

لقد جاء الزفزافي مما قبل الدولة. وقبل المدينة. وقبل القانون. وقبل ظهور وزارة الداخلية. وقبل الأجهزة الأمنية. وقبل المخابرات.

جاء متأخرا.

جاء من الماضي البعيد.

وجاء ليثير كل النزعات، ويحفر عن الأصل النقي، وغير الملوث. كما كان في زمن بعيد.

كما كان في زمن بعيد متخيل.

جاء ليكون بطلا. لكن هذا زمن آخر. وليس زمن الأبطال.

هذا زمن الدولة. وزمن المؤسسات. وزمن القانون.

وكان لا بد له أن يقع في الخطأ.

كان لا بد أن يقع ضحية فرق التوقيت.

ويخرق قانونا يجهله. لأنه يعيش في ماض لا توجد فيه دولة. ولا توجد فيه سلطة. ولا قانون.

وقد قال عن الحكومة “عصابة” واعتبرها الجميع حرية تعبير.

وهي تقريبا نفس الشتيمة ونفس السبة التي حكم بها على نوبير الأموي بسنتين سجنا نافذا.وهو من هو. في ذلك الوقت.

وشيئا فشيئا. يظهر أثر الديكالاج على ناصر الزفزافي.

ويظهر عليه تعب السفر بين الأزمنة.

لأنه بطل من زمن آخر.

ولذلك ربما اقتحم اليوم مسجدا ليمنع الإمام من الصلاة بالناس.

رافضا إمام “الدولة”.

ورافضا وزارة الأوقاف.

مطالبا بإمام تابع للحراك. ولناصر الزفزافي.

كأن لا دولة في المغرب.

كأنه قادم من زمن”الفتنة” الإسلامي.

كأنه لا يرى السلطة. ويريد أن يعوضها. ويرغب في أن يلعب دورها.

وأن يكون بديلا لها.

فمن تريدون أن يكتب لنا خطبة الجمعة إن لم يكتبها “المخزن”

هل تكتبها لنا جماعة العدل والإحسان

هل يكتبها الريسوني

هل تكتبها حركة التوحيد والإصلاح

هل يكتبها السلفيون

وهل تكتبها داعش

وهل نلغي الدولة. ونلغي سلطها. لننعم بالحرية.

وغدا قد يقتحم الزفزافي بيوت من لا يشاركه الرأي

وبعد غد قد يلغي الأحزاب والجمعيات ويمنعهم من التواجد في الحسيمة

ويحتل هو وأنصاره مكان المنتخبين

ويحاكم “البيادق” و”الأحزاب الفاسدة” ومن “باع” الحراك

فهذا هو المعنى الحرفي للحراك

ولا أحد يعرف مدى شجاعة البطل

وإلى أي مدى قد يصل

وإلى أي منطقة سيزحف.

ومن الجهة والمؤسسة التي سيحرر أحرار وحرائر الريف منها.

لكنه مغلوب على أمره.

هذا الشاب

بريء

وغريب

وجاء من زمن لم تكن فيه دولة

ولم يكن فيه قانون

ولم تكن فيه وزارة معنية بالشأن الديني

ولا يعرف أن الدولة الحديثة هي تلك الجماعة البشرية التي تحتكر الاستخدام الشرعي للقوة

وهي التي تحتكر العنف

وتطبق القانون سواء اتفقنا معه أم اختلفنا

وأن دورها أن تحمي المواطنين جميعا

وتحافظ على الأمن

لكن الزفزافي بطل

والبطل لا يعترف بالقانون

البطل يقتحم ويصد ويهجم ويشتم

والدولة حائرة في أمره

دولتنا التي علمت نفسها احتكار العنف

ولم تعلمنا أن نكون مواطنين

دولتنا التي تكون حديثة

ثم تنقلب على نفسها فجأة

دولتنا التي تقترب من عصرها ومن الديمقراطية ثم تفر بجلدها هي الأخرى إلى الماضي السحيق

تماما مثل البطل ناصر الزفزافي.

تماما هي هو

وكما تكون الدولة

يكون المحتجون عليها.

Envoyé de mon iPad