كود : حاوره يونس أفطيط///
عبد السلام بوطيب الحقوقي ورئيس مركز الذاكرة المشتركة، ابن الريف الذي اعتقل وسجن خلا سنوات الرصاص رفقة كل من حكيم بنشماس وعبد الصمد بنشريف بسجن وجدة، يتحدث في هذا الحوار عن حراك الريف من الجانب الحقوقي بعد مرور سنة على عمر الحراك منذ مقتل مسن فكري.
كعضو بالمبادرة المدنية التي قادها النشناش بالحسيمة للوصول الى حل للأزمة ما هي العراقيل التي واجهتكم في عملكم على كلا الصعيدين سواء من جهة الحراكيين او من جهة السلطات؟
ينبغي التأكيد في البداية – و بالنظر إلى طبيعة عمل المبادرة المدنية و تكويناتها و طريقة عملها و علاقات مكوناتها مجتمعة أو فرادي ،مع قادة الحركية المجتمعية من جهة ،و الدولة من جهة أخرى غاياتها- فلأخ النشناش العزيز ليس قائدا للتجربة بل هو منسقا لها. ففي محاولة الإجابة على سؤالك ينبغي التذكير أولا بطبيعة المبادرة باعتبارها مبادرة مدنية مستقلة تتكون من جمعيات حقوقية وباحثين أكاديميين وفاعلين في مختلف الهيئات الوطنية ،وبهذه الصفات فإنها إطار مستقل هدفه الأسمى المساهمة في البحث عن حلول للأزمة ، ومخاطبة كل المعنيين بذلك، والوقوف في عين المكان على ما يحدث، والحيلولة دون التطور إلى الأسوء. و قد سبق لمعظم مكوناتها أن اشتغلوا على ملفات مماثلة داخل الوطن و خارجه، و نصفهم على الأقل كانوا من كبار الفاعلين في مسلسل الإنصاف و المصالحة إما في حركة الضحايا و في قيادة المنتدي المغربي للحقيقة و الإنصاف – كما المتحدث معك – أو في هيئة الإنصاف و المصالحة مما سمح لهم بالمشاركة في تجارب دولية للمصالحة و الانتقال الديمقراطي، ومنهم من ساهم بكتابات في الموضوع، أو صياغة تقارير وطنية و دولية.
بهذه المواصفات ، و ضمن هذه الرؤية كانت الزيارة إلى الحسيمة، وكان التقرير الذي تم عرضه على وسائل الإعلام، وتقديمه للجهات المعنية بحل الملف، والقيام بعدة زيارات للمعتقلين على خلفية الأحداث، والمشاركة في اللقاءات والبرامج الإعلامية التي نظمتها مؤسسات إعلامية أو جهات رسمية أو منظمات مدنية.
هدف هذا التذكير هو التأكيد على أن كلمة ‘عراقيل’ لم تطرح من أي جهة سواء السلطات العمومية المحلية أو الوطنية..دليل ذلك أننا جالسنا المسؤولين الجهويين والمحليين أثناء الزيارة، وجالسنا المسؤولين الوطنيين كذلك ،وعرضنا ما تمكنا من الوصول إليه من معطيات، واقترحنا ما نراه حلولا . والأمر نفسه بالنسبة لأطراف الحركية المجتمعية بمختلف فئاتهم وأصنافهم ( لا استسيغ كلمة “الحراك” لأنها تحيلنا على حمولات دينية-شعبوية عادة ما تنتهى إلى حروب الطوائف…كل ذلك يبعد وصف العراقيل عما قمنا ونقوم به، رغم أننا نسجل التباطؤ الكبير في التعامل مع ما اقترحناه، وعدم وضوح الرؤية، وهو ما نتمنى أن يتم تجازوه في قابل الأيام.
كحقوقي كيف رأيتم الاعتقالات في صفوف النشطاء؟
هنا ضروري جدا الإشارة إلى أننا كمجموعة و كأفراد نشتغل على هذا الملف من أجل إحقاق الحق،و من زاوية مساهمة الحقوقيين في معالجة وضع حقوقي مختل خدمة للتطور الحقوقي و الديمقراطي في البلد، نستخدم العقل بقوة و نبعد العاطفة كلية – ما استطعنا إلى ذلك-،و لا نشتغل بالمطلق على طبيعة مطالب الحراكيين و طبيعة بناءها من طرفهم و الخلفيات السياسية و الايديولوجية المتحكمة فيهم ، فعندما بدت لنا الأمور مختلة حقوقيا ،و أن قطار بناء دولة الحق بدأ يزيغ عن الطريق قررنا التدخل.يجب أن أؤكد هنا أ، ما أريد الذهاب اليه لا ينطبق على الدولة فحسب، بل ينطبق كذلك على المجتمع برمته ( المجتمع أكبر من الحراك، و الحراك جزء من المجتمع فقط).
من هنا ،فالاعتقالات كانت نتيجة لسبب، لذلك ركزنا على الأسباب بشكل أساسي، واعتبرنا أن المطالب مشروعة مادامت في إطار ها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ورفضنا، من باب ما ذهبت اليه أعلاه شخصنتها ، كما رفضنا الانزلاقات اللفظية أو غير اللفظية التي وصلت في كثير من الأحيان إلى العنف اللفظي الشديد، و الذي يكون عادة مقدمة لمآسي مدمرة لكل الأطراف، كما رفضنا صيغ العنف المادي و المعنوي بغض النظر عن الجهة التي قامت به، وطالبنا بإطلاق سراح المعتقلين ممن لم يتورطوا في أفعال يجرمها القانون ، أو تلك التي تمس أو تهدد حياة الناس ضمن الشروط التي ذكرت. ففي حالات الاحتقان الاجتماعي ينبغي مراعاة سياقات ما حدث، وما يمكن أن يحدث، و الإنصات إلى خلاصات الدراسات العلمية في العلوم الإنسانية و الاجتماعية خاصة التي أنجزت عن المنطقة موضوع التدخل ،والى تجارب نساء و رجال الدولة و السلة الذين مروا من هناك،و بالتالي فإن التعامل ينبغي أن يختلف عن الحالات العادية، و يتطلب استحضارا قويا ل” ديونتولوجية حقوق الإنسان” فالذين اعتقلوا هم أصحاب مطالب تم الإقرار من قبل الجميع بمشروعيتها، و هم مواطنون ينتمون إلى منطقة مبادرة في مسلسل المصالحة الوطنية الذي ما زال مفتوحا على الأمل، و آباؤهم أو أقرباؤهم الذين ساهموا في هذا المسلسل استحقوا تقدير كل المواطنين المغاربة، و على رأسهم جلالة الملك ، بالنظر الى شجاعتهم الأخلاقية و السياسية في التعامل مع ماضيهم الأليم ،ولذلك طالبنا بإطلاق سراح المعتقلين لنستمر جميعا في بناء الوطن الذي يستحقنا.
ومرة ثانية كحقوقي كيف ترون الاحكام الصادرة في حق النشطاء؟
إذا ناقشنا موضوع الأحكام فإننا سنتناقض مع ما نطالب به؛ أي إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث، فرغم احترامنا الشديد للسلطة القضائية فإننا نؤكد أن الاعتقالات في ذاتها لم تراع طبيعة السياق الذي جرت فيه الأحداث، وهو سياق مطالب أساسا، وليس سياق عنف مجاني ضد الدولة أو ضد رموزها…ورغم ثقتنا في القضاء إلا أننا نعتبر أن مبدأ الأحكام في ذاته ليس سليما.
مرور سنة كاملة على الحراك كيف تلخصونها من الجانب الحقوقي سيما وتعاطي الدولة مع الحراك منذ بدايته الى حدود الساعة؟
سنة احتجاجية مدة طويلة جدا؛ لأنها تقدم صورة غير إيجابية عن مؤسساتنا المختلفة بشكل يجعلها غير قادرة على ابتكار حلول، علما أن المغرب كان دائما مدرسة إيجابية في هذا الباب، إذ يكفي التذكير أنه كان أول بلد في محيطه الجغرافي يواجه بشجاعة نادرة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من أجل تحقيق مصالحة وطنية، وهي المصالحة التي ما زالت ،كما قلت، مفتوحة على الأمل ، و مازلنا نحن الحقوقيين المغاربة نطالب بتفعيل مخرجاتها بما في ذلك الشق المتعلق بالحسيمة وبالريف عموما في الباب المتعلقبجبر الضرر الجماعي . و في الباب المتعلق بالبحث عن الصيغ الذكية لمعالجة الارتدادات المتعلقة بالذاكرة الجماعية، و أشكال التعبير عن هذا الارتداد ، و التي تصرف في غالب الأحيان إلى مطالب اجتماعية و حتى اقتصادية أحايين قليلة.، و التي لا تعمل إلا في اتجاه التشويش عن المطلب الأساسي و تشوش على تعامل القائمين على معالجته.
بناء على ذلك نقول إن التعاطي مع ملف الريف يحتاج إلى إخراجه من دائرة المقاربات السياسية الفقيرة التي تمليها – في غالب الأحيان- الصراعات السياسية الحزبية الضيقة، إلى مقاربة شمولية متناغمة مع ارادة جلالة الملك و عطفه على المنطقة ،مقاربة تحول دون تكرار ما حدث و يحدث، وبمعنى آخر فإننا نرى أن المعالجة ينبغي أن تكون جذرية من خلال جعل الريف ضمن الأولويات الوطنية على مستوى ترسيخ التنمية بمعناها الواسع بشريا واقتصاديا واجتماعيا ،أما التباطؤ في المعالجة فإنه لا يؤدي إلى نتائج إيجابية، فإذا انتهت الأزمة الحالية اليوم دون معالجة أسبابها العميقة فلا شيئ يضمن عدم تكرارها. و لا شيئ يضمن عدم عودة الأقطاب السياسية إلى جعله ” الحطب النبيل” في صراعاتها السياسية الصغيرة التي لا تستحضر عمق الوطن واتساع صدره لجميع أبنائه،و الأهم من كل هذا و ذاك الاشتغال على الذهنيات و العقليات، و محاولة تجنيب الناس هناك السقوط في المتداول الجديد و المغري، و المؤدي الى الربح السريع و الموت السريع.
هل ترى أن الحراك جعل السلطات تخسر على الصعيد الحقوقي؟
يبدو لي أن الخسران هنا لا يتعلق بالسلطات، بل يتعلق بالمغرب ” لبليدة العزيزة ” ككل، فسواء أكانت التقارير الدولية التي ترصد الوضع موضوعية أو مغرضة فإن النتيجة واحدة ، وهي أن المغرب – شعبا و ملكا – الذي بذل مجهودات جبارة خلال السنوات الأخيرة في المجال الحقوقي، واًصبح مثالا يضرب …هذا المغرب تتعرض صورته الحقوقية ، اليوم، إلى الاهتزاز،مما يؤثر سلبا على نفسيتنا نحن المؤمنين بأن مسار النضال من أجل دولة الحق مسار طويل و مقعد يتطلب ذكاءا جماعيا خارقا وصبر أيوب أو اكثر ، ان شئنا أن نمضي الى ذاك اليوم الموعود بدون دم أو ألم ، بل إن مختلف المؤسسات الوطنية أصبحت موضع تساؤل على نحو ما أكده خطاب جلالة الملك..لذلك فمن الحكمة أن ندعو إلى التشبث بالحلول العقلانية ضمن أفق وطني مشترك ، وأعتقد أن المغرب قادر على ذلك إذا صدقت الإرادات. و ابتعدنا عن منطق ضرورة وجود غالب منتش بانتصاره الصغير، و مغلوب منكسر ينتظر فرصة الرد طال الزمن أم قصر.
