الرئيسية > آراء > “سراب” دوغلاس كينيدي! رواية أمريكية عن الحب والصويرة وطاطا وورزازات والبيضاء
21/05/2015 17:55 آراء

“سراب” دوغلاس كينيدي! رواية أمريكية عن الحب والصويرة وطاطا وورزازات والبيضاء

“سراب” دوغلاس كينيدي!  رواية أمريكية عن الحب والصويرة وطاطا وورزازات والبيضاء

حميد زيد كود ////

معظم المغربيات في رواية دوغلاس كينيدي الجديدة يرتدين البرقع، أما رجال الأمن فيرتدون بذلا حالكة بمقاس أكبر من حجمهم وبياقات مهترئة من كثرة الغسيل.

وفي شوارع الصويرة يتجول البط والدجاج، وفي ورزازات وقرب محطة الحافلات، يقف صبي يحلب معزاة، ويبيع حليبها بعشرة دراهم، أما في شارع غوتيي بالدار البيضاء، فالرصيف تركن فيه سيارات مرسديس وبورش وأودي الفارهة، وفجأة تمر عربة يجرها بغل، ويتبول البغل على المرسديس.

طبعا لن يهتم قارىء غير مغربي بهذه التفاصيل، التي تضمها رواية”سراب” للكاتب الأمريكي المعروف دوغلاس كينيدي، ولن تعنيه كثيرا نظرة الكاتب إلى المغرب، لكنها بالنسبة إلينا مهمة، ومن خلالها نرى أنفسنا بعيون الآخر، الذي يعتبر واحدا من أشهر الروائيين الإمريكيين المعاصرين.

الرواية مشوقة، على طريقة الثريلر الإمريكي، وتتحدث عن زوجين أمريكيين، قررا القيام برحلة إلى المغرب، وقضاء عطلتهما بين الدار البيضاء والصويرة.

مباشرة بعد نزولهما في مطار محمد الخامس استقلا حافلة في اتجاه الصويرة، وأول انطباع شكلاه هو أنهما وصلا إلى”الجحيم”، بسبب الحرارة المفرطة والجو الملوث ونظرات الناس العدوانية والعطانة.

فالدار البيضاء لا علاقة لها بتلك المدينة الأسطورية التي خلدها الفيلم الشهير، بل هي مدينة بشعة ومقرفة.

الزوج “بول” فنان بوهيمي ومسرف يبدد أمواله دون حساب ولا حس مسؤولية، وزوجته تشتغل محاسبة على مشارف الأربعين، التقيا بعد أن لجأ إلى مكتبها، لتنقذه من ورطة الضرائب المتراكمة عليه.
كل شيء يدل على أن كل واحد منهما وجد نصفه الآخر، وقد اتفقا على أن يتوجا هذه العلاقة بإنجاب ولد، تعلق عليه الزوجة آمالا كبيرة.

وفي فندق بالصويرة، وهي تفتح علبة بريدها الإلكتروني، بينما كان بول يرسم في مقهى، اكتشفت أنه أنفق قبل مدة قصيرة مبلغا ماليا ضخما في عملية جراحية، وبعد تحريات قامت بها، واتصال بمكتبها في أمريكا، تأكدت أن الأمر يتعلق بعملية تعقيم قام بها، ما يعني، أنه كان يكذب عليها، وأن لا أمل لها في الإنجاب.

هكذا تحولت هذه الرحلة التي قام بها زوجان يحبان بعضهما إلى كابوس مرعب، نتج عنه اختفاء الزوج، بعد أن غادر غرفة الفندق تاركا دماء عالقة في الجدار، دون أن يعلم أحد ماذا حدث، مع اتهام وجه إلى الزوجة وشكوك حامت حولها بأنها قتلته، وحصار لها من الأمن المغربي.

وهي تحاول أن تهرب من الصويرة، اكتشفت أيضا أن الزوج له علاقة غرامية بفتاة مغربية جميلة في الدار البيضاء، عثرت على صورتها وعنوانها في حقيبته، قبل أن تعرف أنها ابنته، من زواج بمغربية قبل ثلاثين سنة، أثناء زيارة أولى قام بها إلى المغرب، وعمل في مدرسة الفنون الجميلة.

ومن الدار البيضاء سافرت إلى ورزازات في رحلة للبحث عن زوجها، ثم إلى طاطا، حيث اغتصبها شابان مراكشيان يشتغلان في ورش بناء طريق، وقتلت أحدهما حرقا، بعد أن سكبت عليه جالون بنزين، ضائعة في الصحراء ومقتربة من الموت، قبل أن تنتشلها منه أسرة أمازيغية في واحة بنواحي طاطا.

كل شيء فاسد في المغرب، سائقو التاكسيات ورجال الأمن والمغربي الذي يملك نفوذا وعلاقات مع السلطة ويزور جوازات السفر، ومالك الفندق الذي يستغل السياح والكبت المتفشي والرشوة، والنساء المتعلمات اللواتي لدى أغلبهن حلم كبير هو”اللقاء بأجنبي يخرجهن من المغرب”.

يبدو الكاتب الأمريكي دوغلاس كينيدي عارفا بالمغرب، وبمدنه وصحرائه وجغرافيته، لكنه يظل أسير الكليشيهات، والتمييز بين العرب التابعين للسلطة في الرباط، والأمازيغ الذين يعارضون هذه السلطة، أو على الأقل يحذرونها، ويتجنبونها، كما حكى السائق لبطلة روايته، مؤكدا لها أن كل الشر والفساد مرتبط بمن ليس “بربريا”في المغرب.

هناك مغاربة طيبون في هذه الرواية الأمريكية التي تدور أحداثها في المغرب، وهم الأسرة الأمازيغية التي أنقذت الزوجة من موت محقق، وأيضا سائق الستروين المتهالكة الذي هربها وهي متنكرة في البرقع من طاطا إلى مراكش، والذي يحلم بشراء هاتف نقال وشقة، فكافته في النهاية ليشتري هاتفه ويتزوج، كما كافأت تلك الأسرة بمبلغ مهم من المال.

ولم تعثر في نهاية المطاف على زوجها، وظلت تبحث عنه في مدن المغرب وفي صحرائه، وكلما اقتربت منه يبتعد، مثل السراب، عنوان الرواية، ومثل سراب الحب، وسراب السعادة، لتجد نفسها مطاردة في بلد غريب عنها، وتلاحقها تهمة قتل، قبل أن يلقى عليها القبض، وتجد لها السلطة مخرجا بأقل الخسائر، وتبرئها، وتصنع سيناريوها مختلفا لما حدث لها، بتنسيق مع قنصلية بلدها، حفاظا على سمعة المغرب وعلى صورة سياحته، لتأخذ أول طائرة متوجهة إلى أمريكا، دون زوجها، وباغتصاب، وجروح لا تندمل.

لا يمكن محاكمة عمل أدبي كيفما كان بمطالبته بنقل الواقع كما هو، وفي هذه الرواية الجديدة التي صدرت ترجمتها إلى الفرنسية قبل إيام، لم يخرج دوغلاس كينيدي عن تلك الصورة التي تكرسها الأفلام الأمريكية عن المغرب، والتي لا تضع في حسبانها وجود مشاهد عربي أو مغربي، فما يعنيها هو الجمهور الأمريكي، والقارىء الأمريكي والغربي والياباني في حالة دوغلاس كينيدي، وهذا القارىء سيتمتع فعلا بقصة مشوقة وبقصة حب تحولت إلى كابوس، أما بؤسنا وفسادنا وحميرنا وبغالنا، وفرحنا بمائة درهم يمدها لنا سائح، فليست إلا ديكورا يؤثث الأحداث، وحيلة أدبية استنجد بها الكاتب لصناعة رواية ناجحة ومثيرة.

ولأن الأدب مجرد خيال، فإنك ومع دوغلاس كينيدي، يمكنك أن تركب في حافلة من محطة الصويرة وتذهب بك مباشرة إلى مطار محمد الخامس، ومن المطار يمكنك أن تدهب إلى الصويرة، ويمكنك أن تذهب إلى محطة ورزازات، ولأنك وصلت متأخرا بثلاثين ثانية عن موعد الحافلة، سوف تجدها قد انطلقت إلى طاطا في موعدها المحدد دون أن تتأخر ولا ثانية واحدة.
تخيلوا.

لقد أنصفنا دوغلاس كينيدي في هذه النقطة.

ولم يفضح احترامنا للوقت، فقط، لأن الحبكة، والضرورة الأدبية. منعتاه من ذلك.

موضوعات أخرى

20/04/2024 01:00

نهضة بركان غيمشيو من مطار الجزائر للوطيل يرتاحو والكاف عطاهم ضمانات على التونيات

19/04/2024 22:30

مغربي غير حط رجليه فمطار روتردام بعد عطلة العيد.. لقى البوليس كيتسناوه باش يدوز حكم ديال 5 سنين ونص فالحبس

19/04/2024 21:59

الروينة وسط “علي مومن” بعدما طيحو الجدارمية بسطات ريزو كيبيع المخدرات فالحبس كيتزعمو موظف