كود :يونس أفطيط///

في الاعلام المغربي هناك عرف، تقليد أو شيء من هذا القبيل، المالك مقدس والصحفي إلى حد ما حر، هكذا جبل الصحفيين، وهكذا منذ إنطلاق الاعلام في بلادنا وضعت معه أساسيات لا يمكن كسرها، وقد عشت في هذا الجو لسنوات عدة، وتعلمت أن الصحفي عليه دائما أن يعرف أين توجه سهام مقاله، والسهم الخاطئ يأتي دائما بالطرد، عليك أن تعرف أين تضع رجلاك يا صاحبي، وأن لا تكونا فوق أرضية هشة.

ومنذ أربع سنوات، صرت أحمقا، وعكست كل أبجديات الصحافة التي تعلمتها، ليس هناك مقدس، جملة واحدة فقط تلخص كيف صرت أحمقا، والسبب هو “كود”، ورغم أني جوزائي وأضجر بسرعة ومتقلب المزاج ولم أبقى في أي منبر إعلامي إشتغلت فيه سواء إذاعي أو ورقي أو إلكتروني أكثر من سنة، لدرجة أني حطمت الرقم القياسي وتوقفت عن العمل في إحدى المؤسسات الصحفية مع أول مقال أكتبه فيها، وقد كنت أتوقع المثل في “كود”، لكنها سلبتني، وأخذت بلبي، وصارت السنة أربع سنوات، وصار الرأي بالفعل هو المقدس في “كود”، رأيك مقدس بالنسبة لك، ويستطيع حميد زيد أن يستيقظ صباحا ويفكر أول شيء في أحمد نجيم ثم يبتسم ويسلخ مديره في العمل ويرسل إليه المقالة، فيقرأها نجيم في ركن المقهى ولا يبدي أي شيء على محياه، لا تجهم ولا فرح، ويحولها لي لأنشرها.

يستطيع سقراط أن يغمض عيناه على كل الدنيا ولا يرى أحدا أمامه سوى أحمد نجيم أيضا، فيرقن على لوحة المفاتيح كل عبارة قدحية تجود بها مخيلته الفاجرة، وينتهي مع آخر قطرة من شرابه ويرسلها وهو يسب ويلعن لوحده ثم ينام ويستيقظ ليجدها قد نشرت في “كود” دون أن يمس فيما كتبه حرف واحد.

يستطيع أبو حفص أيضا أن يكتب في كود، ولو كتب البغدادي وأرسل لنشرنا، وهكذا هي “كود”، هكذا علمتني أنه لنكسر جميع الطابوهات يجب أن نبدأ بالطابوهات التي تقف كجدار بيننا وبين أنفسنا، وكان أول جدار نكسره هو أحمد نجيم، وقد أثقلنا عليه وما تأفف، وحملنا عليه كل جبروت ملاك الصحف والمجموعات المغربية وما قال كفى، لأنه يعي أن جملة “المغرب بلا زواق” تبدأ منه، علينا أن ننفض الغبار على أنفسنا، وأن نزيل بيوت العنكبوت التي عششت في مخيلتنا، وجعلتنا نرى المالك وحش مقدس، إن ذكرته فليكن خيرا أو لتصمت.

إستمرارا في كسر الطابو دخل كريم بناني في “كود” ولم أعرفه حتى حدثني عنه نجيم ذات مساء، وأخبرني أن هناك شريك سيدخل في “كود” لتتطور، فقلت “جميل” وصمتت، ثم وزع نجيم علينا البلاغ قبل نشره لنكون أول من يراه، وقامت القيامة بعد ذيوع الخبر، وتساءل الجميع هل بيعت “كود” للبام.

وكذبتهم “كود” ليس عن طريق بلاغ، بل عن طريق خطها التحريري وفي عز الانتخابات، وبينما كان الاعلام منقسم بين هذا وذاك، كانت ثلة قليلة تقف الحياد، وكود كانت من هذه الثلة، ولم نكن باميين ولا بيجيديين ولا إستقلاليين ولا تجمعيين…، وبقينا على الخط الفاصل بين هؤلاء جميعا نركن إلى صف الشعب.

أربع سنوات كاملة، كان لي شرف التدرج في هذه المؤسسة من مراسل بسيط إلى مسؤول عن النشر، وتعلمت فيه شيء وحيد، “كود” هي لعنة، لعنة لكل واحد سيعتقد يوما أنه سيمتلكها، هي ملك للجميع وليست ملكا لأحد حتى نجيم نفسه، هي كرة لهب ستدفيك من قر الشتاء وتحرقك إن حاولت الامساك بها، هذا درس آخر تجود به “كود” على الاعلام، وتؤكد مرة أخرى أنها تحاول تطوير مواردها لكن ليس على حساب محتواها، إنها تجمع لكل الحمقى والمجانين، حمقى ومجانين لأنهم يرفضون كل العروض المغرية التي يتلقونها من وسائل إعلام أخرى، لسبب وحيد هو أنهم سيحصلون على رواتب سمينة بكرامة أقل.