عمر أوشن كود /////

إيلان كردي: وليمة لأعشاب البحر وحفلات البكاء

تهافت ولهطة وسائل الإعلام و الصحافة على صورة الصبي إيلان كردي الغريق الذي رماه بحر تركيا تشبه تدافع الطيور الوحشية أكلة لحوم البشر على جثث..

هي ليست المرة الأولى في تاريخ الصحافة التي تتحول فيها الصحف والمواقع الالكترونية إلى كائن متعطش لرائحة الموت والجثث وبيعها في السوق مع دموع تماسيح و كأس ويسكي في جنازة الشهيد..
الصحافة ليست دائما كائنا نبيلا متخلقا طهرانيا ..

الصحافة كائن قذر في بعض المرات بلا روح وبلا ضمير وبلا مشاعر غير مشاعر البحث عن صورة تدمع عيون الناس وتؤلم أكثر ..نراها و نشتري كما نشتري أي بضاعة.. نحزن قليلا ونبكي قليلا ونشتكي قليلا.. ثم ننسى .

الأموات خير منا ..الأموات أحسن منا..الأموات والغرقى ليس لهم محام يدافع عنهم ضد من يبيع و يشتري في جثثهم ويأكلها مثلما تأكل الطيور المتوحشة “الشارونيار” في جبل قفر موتى بوذيين معروضين وليمة للأكل ..

الصحافة موجودة لتقتات من هزائم الناس وفضائحهم وبؤسهم وفقرهم وجثثهم ..

الصورة ليست قضية سهلة ..لكنها مع قصة الطفل السوري تحولت إلى مجرد حفل بكاء جماعي كبير فيه قدر من النفاق ..

الطفل السوري ليس هو الجندي الأمريكي الذي نقل العالم صورا لجثته مرمية في الصومال تجرها عربة على الطريق مثل خنشة تبن..

صورة الأمريكي في الصومال دفعت أمريكا إلى الهروب من مستنقع الفوضى والقتل والخروج بأقل الخسائر..

قبلها كانت صورة لجندي أمريكي يجتمع حول جثته الذباب الأزرق التي كتب عنها الصحافي فيسك قد تسربت للصحافة..كانت صدمة كبيرة.

لا أتذكر أين قرأت أن الكاميرا عين الله..لكنني سمعت أو قرأت هذا الكلام..

وعين الله هذه المرة نقلت لنا طفلا صبيا مرميا جثة على شاطئ يقول لنا : ما أحقركم.. ما أتفهكم حياتكم الوضيعة في صحتكم..

أول مرة تابعنا حربا على الهواء مباشرة اعتقدنا أنها لعبة الكترونية ..

كانت بغداد تقصف بالصواريخ ونحن جالسون في بيوتنا نتفرج لا نفرق هل هو فيلم خيال أم واقع؟؟

الصورة اشتبكت في عيوننا بين الصورة الواقعية والسينمائية..

نعيش السينما يوميا دون حاجة لمخرجين .

جلس ما سمي ظلما و عدوانا العالم العربي على الأرائك والكراسي الوثيرة يشرب البيرة و يدخن الشيشة و يتفرج على فيلم تختلط فيه الرومانسية بالخيال العلمي و الرعب .

جثة إيلان يحرسها الله والموج وجبننا..

لا أعرف لماذا يتبادر لذهني قطر والسعودية و يوسف القرضاوي و آخرين ؟

الجبن والتفاهة وقلة الحياء أيضا هي أن نقول إن الصبي في الجنة مع الملائكة .؟؟

نعم طيب هو في الجنة؟؟ لكن في أي جنة يقبع من أوصله إلى هذه الحالة ؟

لا أحد انتبه إلى اتفاقية حقوق الطفل ولا أحد انتبه إلى المواثيق الأخلاقية للمهنة المتعلقة بالطفولة ..

لم تلتفت إلى ما تبقى من قيم وأخلاق وكان التفكير مركزا على : كم تبيع الصورة ؟ كم سنربح منها من مشاهد وقارئ وأموال؟

مرة شاهدت صور طفل من المغرب أفترسه كلب متوحش..ونقلت الصحافة صورته لتجعلنا نبكي قليلا ثم ننسى..

مرة باعت واشترت الصحافة في صور فاطمة السرساري المحروقة ولا أحد نبهها إلى بؤس الفعل ..

اللهم أرحم غرقانا.

و اللهم خذ الحق ممن كان السبب ولو كان يجلس فوق آبار نفط وفتاوى دينية متوحشة..