الرئيسية > آراء > ردّا على برنامج “مشارف” ومثقفه الطحلبي: إن ما تفتقدون إليه هو النزاهة الفكرية، وهذا ما يجعلنا نشكك في ما تنتجون من أدب، حتى لو قمتم بدورة شرفية على كل الأجناس الأدبية
07/11/2016 08:30 آراء

ردّا على برنامج “مشارف” ومثقفه الطحلبي: إن ما تفتقدون إليه هو النزاهة الفكرية، وهذا ما يجعلنا نشكك في ما تنتجون من أدب، حتى لو قمتم بدورة شرفية على كل الأجناس الأدبية

ردّا على برنامج “مشارف” ومثقفه الطحلبي: إن ما تفتقدون إليه هو النزاهة الفكرية، وهذا ما يجعلنا نشكك في ما تنتجون من أدب، حتى لو قمتم بدورة شرفية على كل الأجناس الأدبية

هشام فهمي موريال-كندا كود ////

صراحة لم تُفاجئني درجة الضّحالة التي وصل إليها المشهد الثقافي المغربي وأنا أتوصّل،من صديق على الفايسبوك، برابط حلقة”مشارف”بثّتها قناة “دار البريهي” حول موضوع “الأدب المغربي في كندا”، فقط، أحسست بالغثيان، وبالصّمت وهو يتَحوَّل إلى كُتَل حجرية ثقيلة بالصّدر، صار لزاما التخلّص منها، وقذفها داخل هذا المستنقع الثقافي المـُطَحلَب.

للأسف الشديد، تجاوزنا فعليا الآن “عصر الانحطاط” الذي عشناه منذ قرون، وربما وصلنا إلى “عصر الانهيار الحضاري الشامل”، حيث أفظع تمظهراته، نراها كل يوم، ولا نرى أي شيء، نرى هذا الخراب القيمي المهول، ولا نرى أي شيء، لا نرى أقدامنا تتكسّر كعكازات عميان، لتنجرف هياكلنا للاستنقاع الكبير.

مانراه ولا نراه، يُقطّع القلب ويثير الشفقة. المثقّف المفترض يمضغ خصيتيه أمام الكاميرات، مدَّعيا بأنه يستطيع إنقاذنا من الغرق، وتعليمنا درسا في السباحة على الظهر، لأنه لجهلنا وعمانا، لا نعرف كيف نسبح في مستنقع ثقافي لا قرار له.

سبّاح المستنقعات الماهر، أسميّه المثقّف “الطّحلبي”، القادر على إقناعنا بالانخراط في مؤسسات طحلبية بادّعاء صباغتها من الداخل، لكنه في الحقيقة يعتاش ويقتات منها للتسويق الذاتي، ولنسج شبكة أخطبوطية من العلاقات الانتفاعية العامة، لذلك يلتقي المثقّف الطّحلبي، جدليّا، مع صنف آخر متثاقف أسمّيه “الخربوط”، ليُساهم الاثنان في صناعة ثقافة الزّيف والخداع.

للتدقيق أكثر، قد يكون المثقّف الطّحلبي مثقفا عاديا ولا غبار عليه، لكنه اختار أن يتسلّق الظلام المحيط بنا بموهبة وكفاءة عاليتين في الإبهار كأي ساحر سيرك محترف، فنرى المثقّف الخربوط، وهو بالمناسبة، شبه مثقف نكرة، رديء ومنعدم الموهبة، يصفّق بيديه ورِجليه للعرض السحريّ.

بالنهاية، يتحلّق الخرابيط حول الطّحلب، بأفواه مفتوحة تسيل أمام الشاشات، محاولين جاهدين التقاط كلمة السرّ أو الوصفة السحرية، التي ستجعلهم يقفزون لتحقيق طموحهم، في أن يصيروا مثله، يوما، طحالب في قمة التألق الاستنقاعي.

سأكون أكثر وضوحا، رغم أن توضيح الواضحات من المفضحات، لأكشف نموذجا من التّطحلُب والخرْبطَة الثقافيين، وهذا، فقط، غيضٌ من فيض:
استضاف المشرف على برنامج “مشارف”، الشاعر والقاص والروائي والإعلامي والخ.. الأديب ياسين عدنان، سيّدة مُسِنّة )من الأسنان (، لم أسمع عنها من قبل، تلفّ رأسها بخرقة على طريقة “خالتي منّانة”، اسمها “لطيفة حليم”، قدّمها صاحبنا على أنها أديبة ودكتورة تقيم في كندا. دكتورة جامعية، فهمناها، لأنها ليست دكتورة أسنان، على أية حال، لكن أن تصير أديبة بإصدارين روائيين فقط، فهذا أمر عجيب، رغم أنها بلغت من الخربطة عُتيّا.

كنت أعتقد أن هذه المجاملات والألقاب الطنّانة، والتي تغري الطحالب والخرابيط، ويتبادلونها، ربّما، على الفايسبوك، هو أمر لا يحتاج الى تعليق في منصة افتراضية حرّة شبيهة بلغط مقهى عمومي، لكن المثير للاستغراب، أن تُوزَّع بالمجان وبشكل ساذج، في برنامج ثقافي، من المفترض أن يحترم على الأقل نفسه قبل جمهوره، وراكم أكثر من عشر سنوات من التجربة في اقتحام بيوت المغاربة عبر قناة رسمية. المحيّر أيضا، كيف يذكر إعلامي “دار البريهي” عنوان روايتها “دنيا جات”، ولا يتذكّر رواية الكاتبة المصرية الكندية مي تلمساني “دنيا زاد” الصادرة سنة 1997 عن دار شرقيات، )يا للمصادفة أن “دنيا جات” إلى كندا(! أم أن من قواعد الاستضافة المـُطَحلبة في التلفزيون المغربي البئيس، التواطؤ مع الخرابيط والنفخ فيهم، لأن ذلك سيعود على الإعلامي والأديب بالنفع الكثير،والنفخ المتبادل.

لا علينا، يسأل أديبنا ياسين عدنان أديبتنا لطيفة حليم، عن السبب الذي يجعلنا “لا نسمع عن حياة أدبية في كندا”، مقارنة بالحضور الثقافي في أوروبا، ليبدأ سيل من الأسئلة المُطَحلبة والأجوبة المخربطة من أول الحلقة، حول الجيل الثاني من المهاجرين وسرد أسماء درست في الجامعة الكندية وعادت إلى المغرب، دون أن يكون الجواب مقنعا لأن عبور هؤلاء دون أن يخلقوا حضورا، له ما يبرّره لطبيعة سياق الهجرة الكندي المختلف، إذ كيف يُعقل أن نعقد مقارنة قارّية، بين تاريخ الهجرة إلى قارّة أوروبا الكولونيالية، مع قارّة أمريكا الشمالية الحديثة العهد؟! ثم كيف لجامعية مقيمة في مونتريال، لا أدري منذ متى، لا تفرق بين خصوصية مقاطعة كيبيك الفرانكوفونية مع باقي التراب الكندي الأنغلوفوني؟! فحضور المثقفين العرب في تورونتو، مثلا، مختلف عنه في مونتريال، وطبيعة الأزمة الهوياتية التي يعيشها الكيبيكيون وإحساسهم بأن لغتهم الفرنسية محاصرة داخل قارة أنغلوفونية بالكامل، يجعل الهجرة هنا أكثر توتّرا وانكفاء على الذات. الأدهى من ذلك، أن حضور الكاتب أو الشاعر الكبيبكي نفسه باهت في مقاطعته، ولذلك أسباب سوسيولوجية وتاريخية، أنأى بنفسي عن الخوض فيها، لأنها تحتاج الى مخربط جهبيذ آخر، “يتَسنْطَح” علينا لتفسيرها.

لندع سياق الهجرة الكندي جانبا، ولنتحدّث عن الكتاب المغاربة الذين يكتبون بالعربية، وقد ذُكروا بهذا الترتيب : مصطفى فهمي، جمال المعتصم بالله، هشام فهمي، عبد الغني بنكروم، وشخصيا أعرفهم جميعا عدا اثنين لم أقرأ لهما بعد ولا أعرفهما، وهما عبد الغني كروم وهشام فهمي، أما الآخرون كمصطفى فهمي “فكتابته جيّدة”، حسب الأديبة “لطيفة حليم”، مما خلق التباسا لأديبنا ياسين عدنان عندما ذكرت فهمي فقط، فتدارك الأمر وتلقّفها ليصحّح: مصطفى فهمي المتخصص في شكسبير، أما هشام فهمي فمتخصص في الحطيئة، وحسب علمي، وأرجو أن أكون مخطئا، آخر ما قرأت لمصطفى، وهو يدرّس الأدب الإنجليزي في جامعة شيكوتيمي، ديوانه الثمانيني “آخر العنادل” الذي كنت معجبا بشعريته الهادئة والمختلفة عن سياق الشعر الشمهروشي المغربي، أما صديقي جمال المعتصم بالله ، الذي انقطعت عني أخباره منذ سنة تقريبا، لأسباب تعنيني شخصيا ولا يعرفها هو نفسه، فلا أظن أن صاحب “مشارف” لا يعرف أي فصيلة هومن الشعراء، منذ أن كان في “الحمامشة” الى أن انتقل الى مونتريال، وهو شاعر متواضع جدا ولا ينشر قصائده الرائعة، لسبب بسيط، لا يملك موهبة الطَّحلبة ولا الخَربطة، إضافة إلى أن آخر نصوصه التي قرأها عليّ، بدأ يترجمها إلى الفرنسية، وقد أبهجني ذلك، وبعدها حدّثني عن جارته وهي ناشرة كيبيكية أدهشها شعره، فاتضح فيما بعد أنها تدير موقعا غير معروف للنشر الالكتروني، وبثّت له عملا بعنوان فاتن صراحة وهو “العزلات السبع”، ولأن جمال شاعر حقيقي يعيش عزلاته السبع، ويتنفّس الكتابة كل يوم، فهو خارج المدار الفلكي للدينامية الذاتية التي يتحدّث عنها أديبنا. أما ضيفة “مشارف”، فقد مسحت البلاتو مسحا، “وزحزحت” كل تلك الأسماء المذكورة، معلنة عن الخبر الحاسم في “الحلقة” وهو قدوم أعلام في الآونة الأخيرة، يختزلها علَم زوجها، الباحث المحترم في الإسلامولوجيات “أحمد العلوي”.

ما يثير السخرية أكثر، عندما يتمّ اختزال الحضور الثقافي عند هذه الفصيلة من الكَتَبة،فهي تراه في السفارة و”دار العجزة”، وهو يراه في التجمعات والمجلات، وهنا يلتقي التّطحلب مع الخربطة في فهم سطحي لدور الكاتب باعتبار تحقّقه الاجتماعي كدليل على الدينامية، في حين نحن هرّبنا أشعارنا الى سيبيريا خارج هذه الأنماط من التداول الثقافي، ليس بسبب فتورنا بل لشخيرنا الذي يزعجكم في سبات كندا الشتوي، ولتجمّعاتنا الفردية التي تجعلنا أنقياء بلا إدعاء للطهرانية، لكنكم وراءنا وراءنا حتى لو ذهبنا الى المرّيخ.

بالنهاية، عندما نتساءل عن أسباب خرابنا الثقافي، تبلعون الميكروفونات وتحشرون رؤوسكم في عيون الكاميرات، لتمنحونا أجوبة مفبركة تنزّهكم عمّا تقترفونه كل يوم كأنه إنجاز تاريخي عظيم، مفتقدين لأي مشروع ثقافي حقيقي ورؤية واضحة للأدب الذي تنتصرون إليه، فحضوركم الرسمي والمكثّف في كل الأمكنة، يجعلكم فعلا أذكياء، ونعترف لكم بذلك، وبإمكانكم أن تحقّقوا ازدواجية الحضور والخطاب بسلاسة، حتى تكسبوا ودّ الجميع، أما نحن فببساطة لا أحد، ولا نتسوّل اعترافا من أحد، وما ننجزه لهذا العالم هو لاشي، وأتحدّاكم أن تنجزوا ،لا شيء، مثلنا، فدعونا نعبّر لكم عن انبهارنا بعبقرية أرجلكم،واحدة هنا وأخرى هناك، مرة مع المطحونين في “جمعية لحقوق العبيد” وأخرى مع الأسياد في زريبة بغال تلفزيونية.

إن أكثر ما تفتقدون إليه هو النزاهة الفكرية، وهذا ما يجعلنا نشكك فيما تنتجون من أدب، حتى لو قمتم بدورة شرفية على كل الأجناس الأدبية، وحتى لو استقويتم علينا بالألقاب أو بالوجوه المعروفة التي استضفتموها وتستعرضها تلك الشاشة خلفكم، إنها مرة أخرى نزاهتكم الفكرية التي على المحكّ، فالشعر علّمنا الشكّ واللايقين، أربك حياتنا، وجعلنا مجرّد لاجئين الى قارّة العدم القطبية، كسر غرور الأنا فينا، وجعلنا “نتزحزح” كما صرّحت، بشكل ساخر، أديبتكم الفذّة، التي تعرف مسارنا الحياتي والشعري أكثر منك ومنّا. إننا نتهيّب من كلمة “شاعر” حتى مع الأقرب منا، ونخاف من أشباح اللغة كي لا تعضّ أقدامنا، وألقينا بأحجار الصمت داخلنا، وهرّبنا قصائدنا خارج مستنقعكم الثقافي دون أن نتصنّع اختلافا أو دورا، لأن رداءة السلوك تحوّل النص ببساطة الى “مانيكان” بلاستيكية مجوّفة من الداخل.

للأسف الشديد، يتحوّل العَمَشُ إلى بريق نور هو التاج الذهبي لحظة العَمى المعاصر. التّاج الذهبي هو مجرّد عمامة، وكما قيل قديما:”العمائمُ تِيجانُ العرب”، لكن العميان، وحدهم، يُتوّجون الأعمش ملكا وعلى رأسه بريقٌ خادع.

رابط الحلقة:

موضوعات أخرى

20/04/2024 09:00

نهضة بركان عندهم كلمة وحدة: إما الجزائر تحترم قانون الكاف ونلعبو بتوني خريطة المغرب المعتمد أو ما نلعبوش

20/04/2024 08:30

أسود الفوتسال مشاو عند صاحبهم يوسف جواد للسبيطار باش يطلعو ليه المورال ويخرجوه من جو الحزن بسبب الإصابة