الرئيسية > آراء > الكثير من التضليل… القليل من الحقيقة!
17/02/2017 14:00 آراء

الكثير من التضليل… القليل من الحقيقة!

الكثير من التضليل… القليل من الحقيقة!

حسن حمورو ///

ثمة هاجس متنامٍ مرتبط بموضوع تشكيل حكومة ما بعد 7 أكتوبر، يتعلق بحقيقة ما يجري أمام المواطنين وأمام الكثير من الفاعلين الحزبيين والإعلاميين، من تصريحات وتعليقات واجتماعات وتغطيات مواكِبة.

يقول هذا الهاجس أن ما تنقله وسائل الإعلام حول مشاورات تشكيل الحكومة، يتضمن الكثير من التضليل، المفضي إلى تشتيت التركيز وخلط الأوراق ومنع ترتيب كافة أجزاء الصورة، بغاية منح الفاعلين الذين يعتبرون أنفسهم رئيسيين، فرصة الاشتغال بعيدا عن الأنظار، والوقوف أمام بناء ردود فعل مؤثرة أو كاشفة لما يقع ويجري.

صحيح أن النقاش العمومي حول الحكومة مع كل ما يصاحبه من ضجيج، أمر صحّي ومطلوب لإنعاش الحياة السياسية وتنمية ملكة اليقظة المجتمعية، إلا أن توجيه هذا النقاش نحو الوجهة الصحيحة يقتضي أيضا طرح جميع الأسئلة وتقديم جميع الفرضيات التي يمكن أن تشخص الوضعية في صورة أكثر وضوحا، ولو في صيغة هواجس تجد في العديد من الشواهد والمؤشرات مستندا يرفعها إلى درجة المؤكد أو شبه المؤكد على الأقل.

ينبغي في البداية الحسم في كون الدولة المغربية دولة عاقلة، وتاريخ تدبيرها لأزمات كبرى وفاصلة، يشير إلى أنها لا يمكن أن تعبث في الأمور المصيرية، ومنها المؤسسات الحيوية، لذلك تحرص القرارات الكبرى على احترام الدستور، وفي هذا السياق جاء التعيين الملكي للأستاذ عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة لولاية ثانية، خلافا لكل ما راج وعكْس الجو الذي حاولت الحملات الإعلامية المكثفة توفيره قبل تاريخ التعيين، وبالتالي فإن تشكيل الحكومة سيظل مسألة وقت فقط، خاصة مع محاولات الطرف غير المهتم بنتائج الانتخابات نزع المبادرة من يد رئيس الحكومة المكلف وحزبه.

بدا واضحا منذ الأيام الأولى بعد تعيين الأستاذ عبد الاله بنكيران، وبعد استجماع القوى وامتصاص صدمة نتائج 7 أكتوبر، أن هناك من أراد أن ينقل المعركة إلى خارج رقعة الملعب الأصلية، أو تحويل الأنظار عن الملعب إلى الجوانب والهوامش، فتم العمل على جر النقاش العمومي إلى قضايا ثانوية، وتكثيف توجيه اتهامات قديمة لحزب العدالة والتنمية ضحدتها تجربته ومواقفه طيلة العشرين سنة الماضية، كل ذلك بهدف إلهائه واستنزافه وإفقاده المبادرة، في وقت كانت تسير فيه خطة تثبيت نموذج الحكومة كما تريدها الأطراف غير المعنية بأصوات الناخبين بخطى محسوبة، انطلقت بتعيين رجل الأعمال عزيز أخنوش رئيسا للتجمع الوطني للأحرار، وإلحاق حزب رجل أعمال آخر به، ويتعلق الأمر بمحمد ساجد أمين حزب الاتحاد الدستوري.

عملية التثبيت هاته، اصطدمت بأول عامل إرباك وهو إشراك الرأي العام في تفاصيل المشاورات من طرف رئيس الحكومة المكلف، وقد كان إعلانه عن شرط أخنوش المتعلق بالدعم المباشر للفقراء، بمثابة تسليط ضوء على النموذج الذي يستمر من أجله ما يسمى اليوم بالبلوكاج، لذلك سارعت الأطراف نفسها إلى شن حملة على رئيس الحكومة تحت شعار “أمانة المجالس” لضمان استمرار التفاوض في السرية المطلوبة وتحت الضغط في الوقت ذاته، مع الاستمرار في ضخ المزيد من الدخان الناتج عن السجال السياسي والدستوري وإغراق المشهد بالتصريحات والبيانات والقراءات والتحليلات التي لا يُتصور تطبيقها إلا في حالة كون أصحاب القرار يمكن أن يقبلوا فتاوى من هبّ ودبّ.

وفي هذا الصدد، لنتساءل كيف يمكن فهم المغزى من الإصرار على التعسف في قراءة فصول بعينها من الدستور، وتجنيد جيش من “المحللين” والصحافيين، لاجترار النقاش نفسه، طيلة هذه الفترة، وكيف يمكن فهم المغزى من جولات أخنوش الجهوية ولقاءاته الحزبية التي لا يمكن تصديق أهدافها مادام أنه اختتمها باستعراض الكلام نفسه الذي سبقه إليه صلاح الدين مزوار سنة 2010 ولم ينفذ منه شيئا بدليل بقاء حزب الحمامة في الموقع الانتخابي نفسه، ثم لماذا الإصرار على استبعاد حزب الاستقلال، على الرغم من كون ما يمكن اعتبارها أخطاء لأمينه العام تضررت منها البلاد، تم تجاوزها بفضل جهود جلالة الملك التي تُوجت بالعودة إلى الاتحاد الافريقي برأس مرفوعة كما قال جلالته، ثم لماذا ظهور حزب الاتحاد الاشتراكي بهذا المظهر المثير للشفقة وقبوله بلعب دور “الجماعة الوظيفية” ومساهمته بالعدد الأكبر من البيانات الفارغة والحضور الإعلامي المضلل؟

في تقديري كل ذلك كان من أجل التغطية على جوهر العملية وهو بحث سبل إعداد حكومة تستجيب للمرحلة الجديدة التي دخلها المغرب، وتوفير شروط الاشتغال عليها فوق نار هادئة، ولا يهم ضياع الوقت ولا خدش صورة الديمقراطية ما دام النموذج المشار إليه لا يعترف أصلا إلا بالديمقراطية الشكلية، التي أطرت منح رئاسة مجلس النواب لحزب بالكاد وصل عدد نوابه العشرين، ويوجد خارج أجندة رئيس الحكومة المعين.

لقد تابع الرأي العام خلال هذه الفترة من “البلوكاج” القليل من الحقيقة، ويكاد بمواصلة المتابعة أن يتعرض لخدعة بصرية، لن يستفيق منها إلا بعد تشكيل الحكومة وفق ما تحلم به الأطراف المتحكمة أو النافذة، التي تعرف ماذا تريد جيدا، خاصة إذا ساعدها حزب العدالة والتنمية وأمينه العام المكلف بتشكيل الحكومة، بمواقف لا يمكن بأي حال التشكيك في إعلائها لمصلحة الوطن، غير أنها قد تكون استجابة لتعبئة موجهة من فوق، لذلك عليه عدم التفريط في التواصل مع المواطنين في كل صغيرة وكبيرة، وجعلهم شهودا وتحميلهم المسؤولية في ما قد ينتج عن نجاح تثبيت حكومة لن يستفيدوا معها شيئا مما يحلمون به.

على أن هذه المحاولة في التحليل، أو هذا الهاجس، لا يُلغي وجود أهداف أخرى تشتغل عليها أطراف موجودة، إما أداء لوظيفة أو بخلفية خصومة سياسية وايديولوجية قائمة، تتعلق بالهامش المسموح به لحزب العدالة والتنمية وأمينه العام، أو السقف المسموح بوصول الديمقراطية في البلاد إليه، سواء لاعتبارات داخلية أو خارجية.

موضوعات أخرى

29/03/2024 06:00

العراقي لي حرق القرآن فالسويد علق لبلاد خرا.. غادي يطلب فيها اللجوء بعدما قررات ستوكهولم تجري عليه